أهواء الناخب الفرنسى تضع الإليزيه على المحك


المصدر الاهرام - تحقيقات و تقارير خارجية

في سابقة هي الاولي في تاريخ السياسية الفرنسية منذ 1958, جاء خروج الحزبين التقليديين (الاشتراكين والجمهوريين) من السباق كصفعة قوية للحزبين الاكثر وجودا وتأثيرا في البلاد من ناحية، وبداية لتغير ملامح سياسية فرنسا من ناحية اخري.ويري المراقبون أن تصويت الناخبين جاء تعبيرا جليا عن حالة السخط التي يعيشها الفرنسيون منذ اكثر من حقبة رئاسية سالفة تحت ولايتهما،التي ازدادت الأحوال سوءا معهما دون اي تقدم ملحوظ في المتطلبات الاساسية للفرنسيين من رفع لمستوي المعيشة او تصحيح القدرة الشرائية او القضاء علي البطالة او توفير الامن ومكافحة الارهاب. دون ان نغفل قضايا الفساد وتضارب المصالح التي ظهرت في حزب اليمين واختتمت في الآونة الاخيرة بفضيحة المرشح الجمهوري فرانسوا فيون والخاصة بوظائف وهمية لزوجته بنيلوب فيون وهي القضية التي أطاحت بشعبية فيون بعد ان توقع المراقبون احتمالية وصوله للرئاسة.
اما الاشتراكيون فهناك عاملان أساسيان لفشل مرشحهم بنوه امون في اجتياز سباق الجولة الاولي من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أولها: عدم التفاف حزبه بكامل قوته حوله والنقص في شعبيته وتفتيت اصوات اليسار بينه وبين مرشح اقصي اليسار جان لوك ميلنشون. ثانيها: السخط العام إزاء السياسة الراهنة للرئيس فرانسوا اولاند الذي يعتبره البعض انه لم يحقق للشعب الكثير من الوعود التي وردت في برنامجه الانتخابي في2012. وفي هذا السياق وحسب نتيجة الجولة الاولي حصل المرشح المستقل وزعيم حركة « إلى الأمام»، إيمانويل ماكرون (39 عاما)، على المركز الأول بحصوله على نسبة 23.75% تليه مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، التي حصلت بدورها على نسبة 21.53%. وتمثل نتيجة الجولة الاولي هزيمة ثقيلة ليمين الوسط وليسار الوسط الاشتراكي اللذين سيطرا على الساحة السياسية لنحو 60 عامًا تقريبا.
وفي نظرة سريعة علي احوال الاليزيه في الفترة الاخيرة نجد ان سيناريو اليمين الجمهوري في الحقبة الرئاسية السابقة يعيد نفسه بخروج الاشتراكيين من الاليزيه بعد عزوف الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا اولاند عن الترشح لفترة رئاسية ثانية، وفشل مرشحهم بنوه امون في اجتياز سباق الجولة الاولي.. في حين ان مرشح الجمهوريين الرئيس السابق نيكولا ساركوزي حاول جاهدا الحصول علي فترة رئاسية ثانية الا انه خسر -أنذاك- امام اولاند في انتخابات 2012, ولم يبق بالاليزيه سوي حقبة واحدة مدتها خمس سنوات.
ومن ناحيته تأهل زعيم حركة «إلى الأمام» إيمانويل ماكرون المستقل للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، وهو الاوفر حظا حتي الان حسب استطلاعات آراء الفرنسيين ويتوقع أن يحصل على تأييد 63% من الناخبين فى الجولة الثانية, في حين لا يتوقع لمارين لوبن سوي 38%تقريبا. ويري المراقبون ان ماكرون يفتح أمام الناخب باب أمل في مستقبل أفضل متوقعا ان يرفع مستوي المعيشة- كونه رجل اقتصاد- ويكافح البطالة ويعزز من القدرة الشرائية , فضلا عن البقاء ضمن منظمومة الاتحاد الاوروبي. وهو مايتناقض مع رغبات مارين لوبن المعلنة في برنامجها بالاضافة الي اعتزامها غلق الحدود بالخروج من اتفاقية شينجن، والرجوع للعملة المحلية الفرنك، ومكافحة الراديكالية الاسلامية، وغيرها من الإمتيازات التي تعتزم تقليصها في إطار المساعدات الاجتماعية والتأمينات الصحية ومنع الوجبات الحلال في المدارس ومنع إقامة المزيد من المساجد مع ابداء رغبة في إغلاق المشتبه في تشددها، ومكافحة بل منع إقامة الصلاة في الشوارع خاصة يوم الجمعة حيث يضطر فيه البعض للخروج للصلاة بالخارج نظرا لضيق المكان.
ويري المراقبون ان ماكرون الذي عمل في المجال البنكي وتعتمده الساحة كاقتصادي محنك هو الاوفر حظا للفوز فى السباق للاليزيه..ويذكر انه سبق وعمل في حكومة اولاند كوزير للمالية ولم يتركها الا بعد ان أفصح عن نيته في خوض السباق للاليزيه بتآسيس حزبه المعروف باسم «حركة الي الامام»منذ عام تقريبا ثم بدأ الترويج لحملته الانتخابية الامر الذي دفع به او اُجبر عليه بالاستقالة من حكومة ايمانويل فالس في اغسطس 2016. وتجدر الإشارة الي ان اتباع حزب ماكرون قد تجاوزت اعدادهم ، (260,000) عضوا خلال عام اما المرشح ذاته فقد استطاع جذب الناخبين من الشباب والكوادر بصفة عامة، بالرغم من ان عمره السياسي لا يتخطي الخمس سنوات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المحللين انتقدوا الكثير من تصرفات المرشح اليساري المستقل الذي بدأ يتعامل كما لو كان الفوز محسوما, فقد خرج ايمانويل ماكرون فور اعلان النتيجة كما لو كان رئيسا ليحيي اتباعه في الحزب الاشتراكي مقلدا بذلك سيجولن روايال حين هزمت امام نيكولا ساركوزي في 2007 تارة، وتارة اخري حينما خرج لجمهوره وفي يده زوجته برجيت واخذ يقبلها كما فعل فرانسوا اولاند ورفيقته فاليري تريفلير بعد الفوز في انتخابات 2012, وكان الحدث الأكثر انتقادا قضاءه سهرة مع المشاهير والنخبة في أرقي المطاعم الباريسية.
وعلي صعيد المعركة الانتخابية يذكر انه بعد اعلان نتيجة الانتخابات دعا كل من المرشح الجمهوري فرانسوا فيون، والاشتراكي بنوا امون اتباعهما الي التصويت للمرشح ايمانويل ماكرون بغية قطع الطريق علي زعيمة الجبهة الوطنية لليمين المتطرف مارين لوبن. كما خرج الرئيس الاشتراكي المنتهية حقبته فرانسوا اولاند عن صمته معلنا انه سيعطي صوته لماكرون في الجولة الثانية.
والواقع أن بعض المراقبين شددوا على المخاوف من أفكار الجبهة اليمينية المتطرفة وزعيمتها الراهنة مارين لوبن خاصة وانها مهما أظهرت تغيرا عن سياسية والدها فإنها تحمل وتدافع عن نفس المبادئ. وحسب تحليل نقله التليفزيون الفرنسي قارن فيه بمقاطع مسجلة بالصوت والصورة لخطب أرشيفية لوالدها المؤسس للحزب جون ماري لوبن تناولتها لوبن الابنة بنفس الكلمات والعبارات، وأوضح التقرير انه مهما حاولت مارين إثبات انها تختلف عن سياسية والدها فإنها تدافع عن نفس الافكار واشار التقرير الي ان مخاطر هذا الحزب ستظل قائمة،وانه سيصل في يوما ما الي الاليزيه حال عدم وصوله في الدورة الثانية من الانتخابات الراهنة، مهما حاربته الطبقة السياسية، مبررا ان زعيمته الحالية مارين لوبن مازالت شابة وان ابنة اختها النائبة ماريو ماريشال لوبن مازالت في بداية طريقها السياسي ولها مستقبل واعد لتولي القيادة بعد مارين،بالاضافة الي ان شعبية الحزب ذاته في ارتفاع متزايد!. وبالطبع لا يغفل علي احد ان الفرنسيين سئموا تواجد الأجانب المهاجرين علي أراضيهم ليس فقط لعدم قدرتهم علي الاندماج بالمجتمع او بما يقومون به من تجاوزات امنية لكن أيضا لأنهم أصبحوا الوقود الذي يستخدمه الارهابيون لتطويعهم في القيام بترهيب المجتمع.
ومما لاشك فيه ان الانتخابات الرئاسية الفرنسية هذه المرة تعد عجيبة بكل المقاييس بالاضافة الي انها تجري في ظل ظروف مختلفة اقتصاديا ونفسيا وأمنيا وحالة طوارئ معلنة بسبب تكرار الحوادث الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، وغالبا ما تمت علي ايدي ابنائها من الداخل، فضلا عن حالة السخط التي يعيشها المواطن, كما لا يمكن تجاهل ارتفاع عدد الفقراء الذي وصل إلى 9 ملايين نسمة داخل دولة كبري تعد خامس قوة اقتصادية علي المستوي العالمي، اضافة الي حالة معيشة متردية ونسبة بطالة متنامية سجلت نسبة إضافية في حقبة الاشتراكي فرانسوا اولاند قوامها خمسة آلاف عاطل، كلها عوامل غيرت من اهواء الناخب. ويحذر المراقبون من أن الخروج المدوي الذي مني به كل من الاشتراكيين والجمهوريين قد يلقي بمزيد من الانقسامات بداخل الحزبين وهو ما يهدد بقاءهما بنفس القوة التي كانا عليها في سالف عهدهما. ولم تستبعد الساحة السياسية حدوث زلزال مدو يخالف كل التوقعات في الجولة الثانية المرتقبة لسباق الاليزيه في 7مايو الجارى.






اقرأ أيضاً :

=========

تعليقات

المشاركات الشائعة