ربط «العنزة ».. أم ربط العقل ؟


المصدر الاهرام - سمير الشحات - قضايا و آراء

بعيدًا عن الغمز واللمز، والكوميكس، وتعليقات رواد الفيس بوك ومواقع التواصل، فإن مقطع الفيديو الشهير « المرتبط بربط العنزة»،( وفى رواية أخرى لمّ المِعزة)، يجب ألا يمر علينا مرور الكرام، حتى لو كان الأمر برمته، يثير من السخرية أكثر مما يثير من الجديّة والرصانة. 
القصة باتت معروفة؛ حوار بين إحدى الأمهات تشتكى من تعرض ابنتها الصغيرة التى فى (كى جى وان)، للتقبيل من طفل فى مثل سنها أو أكبر قليلًا، داخل فناء المدرسة، فما كان من الأب (والد الطفل)، إلا أن رد مُشددًا على أن من حق ابنه أن يفعل ما يشاء، وأن المخطئة هى البنت، أو بالأحرى أسرتها، كونهم تركوها ( غير ملمومة).. وقال قولته الشهيرة «اللى عنده معزة يلمها». 
تحليل المضمون لكلام كلا الطرفين، وقراءة «المسكوت عنه فى حياتنا»، سيقودنا إلى جدية لا حدود لها، وما أحلى الجد عندما ينبثق من بطن الهزل. 
باديء ذى بدء، تشير القصة إلى ما باتت مواقع التواصل الاجتماعى تمثله فى حياتنا على كل المستويات، بدءًا من هلاوس المهلوسين والصبية، مرورًا بأحزان المحزونين ( على غرار ربط العنزة)، وليس انتهاءً بأعتى القضايا السياسية والاقتصادية فى واقعنا اليومي، وهو ما يجب أن ينبهنا إلى خطورة هذه المواقع، بما يجعلنا نوجه المزيد من الاهتمام والدراسة لمدى تأثيرها فى المجتمع. 
والأمر الثاني، أن الكثير من أفكارنا التى درجنا عليها، لم تعد كما كانت، فها هو أب يمنح المشروعية الكاملة لطفله الصغير فى أن يفعل ما يشاء، وقتما شاء، وأن يُقبّل من أراد من البنات، فالباشا الصغير رجل، والرجل مقارنةً بالبنات هو الأهم، وهكذا يقفز فى وجوهنا سؤال عن مغزى الرجولة، وهل أن من علاماتها أن نقبّل من نشاء، وقت أن نشاء، حتى لو كنا «عيالًا»؟ 
ثالث الأمور، هو تشبيه البنت الصغيرة بالعنزة، ومع كامل احترامنا لكل « المعيز» التى فى حظائرنا، إلا أن السؤال الذى لابد وفارض نفسه: ألا يحمل هذا التشبيه تحقيرًا ما لجنس النساء؟ وهل يكون من المنطقى إذن- قياسًا على التشبيه بالعنزة- أن نصفها مثلًا بالحمارة، أو البهيمة، أو لامؤاخذة «الجاموسة»؟ لو أردت الحق.. فإن الكثيرين منا مازالوا يفعلون، حتى فى مسلسلاتنا ومسرحنا.. ولتذهب كل دعاوى تحرير المرأة واحترامها، ومعها صرخات الأستاذ الراحل «قاسم أمين»، إلى الجحيم ! 
ثم لماذا «المعزة» بالتحديد، هى ما استخدمها الأب فى وصف البنت، هل لأنه مجرد « مثل شعبي» شائع لدينا، أم لأن العنزة عادة ما تسرح دون وعى فى الحقول والمراعي، فتضيع، فتلطم صاحبتها- أو أمها- الخدين؟ أم لعل فى الأمر علّة أخري، هى أن العنزة لا قيمة لها، قياسًا مثلًا على البقرة، لكن هذا فيه شك، حيث إن المعزة أغلى ثمنًا من الأوزة.. فلماذا لم يقل الفيديو» اللى عنده أوزة يلمّها»؟.. تلك أسئلة حائرة تبحث عن إجابات.. فهل عندكم إجابات؟ 
ورابعًا، ما مشروعية «التقبيل» عمومًا؟ وهل بات من الشائع أن يُقدم طفل على تقبيل طفلة؟ أليس من الممكن أن تكون المسألة كلها لعب عيال، وأن الولد لم يكن فى ذهنه أبدًا ما دار فى أذهاننا نحن الكبار المكبوتين؟ ثم كيف نطالب طفلًا بألا يحاكى ما يراه على شاشة التليفزيون المفتوحة على عينيه ليل نهار؟ هل ثمة خلل ما فى أساليب تربيتنا لأطفالنا، فلم نعد نعلمهم العيب والحلال والحرام؟ 
وليس بعيدًا عن ذلك كله، مسألة تعامل مدارسنا مع الأطفال، وجدوى جهود التربية والتنشئة السليمة، ولسنا هنا فى معرض الحديث عن التحرش، أو العنف البدنى الذى أصبح ممارسة يومية تضج بها برامج التوك شو، وصفحات الجرائد، أو تطاول التلاميذ على المدرسين، وفى المقابل وحشية البعض من هؤلاء المعلمين ضد الأطفال، ما يحتم الصراخ بعلو الصوت: « أين دور المدرسة يا ناس»؟ 
وكان لافتًا أيضًا، تصريح الأم فى الفيديو، بأنها مُن «المنتقبات»، ما يحمل على الظن بأن النقاب هو وحده الذى يحمل معانى العفة والحشمة والانضباط، وطبعًا الأم لم تصرح بأى من هذا، لكننا هنا نقدم- كما قلنا- قراءة فى تحليل المضمون وما بين السطور، وليس ثمة شك فى أن الرداء هو حرية شخصية، فليلبس كل من أراد ما أراد.. لكن لجوء البعض منا لاختزال العفة فى النقاب فقط فيه ظلم كبير للكثيرات من المحتشمات المهذبات، اللائى هن لسن منتقبات. 
قضية أخري، يطرحها هذا الفيديو «الكاشف»، ألا وهى البوح والإفصاح عن مشكلاتنا الثقيلة، دون مواربة أو خوف من رد فعل المحيطين بنا، فها هى الأم الخائفة على ابنتها تقرر بشجاعة تحسب لها، أن تتحدث عما جرى لصغيرتها، ولم تفكر فيما سيقوله الناس أو الجيران أو الأقارب، وهو الأمر الذى نرى فيه إيجابية من الإيجابيات، وليست سلبية أبدًا، إذ لا شك فى أن الأم هنا، بتصرفها هذا، قد لفتت أنظار آخرين إلى ما يمكن أن يصيب فلذات الأكباد فى المدارس، فى غيبة المسئولين عن تلك المدارس. 
البوح فضيلة من الفضائل الغائبة عن الكثيرين منا، ليس مع مشكلات المدارس فحسب، بل فيما هو أخطر، وكم فى حياتنا من مصائب، يحول بيننا وبين كشفها الحياء والتستر، ومعروف أن معظم النار من مستصغر الشرر، وقد يتحوّل لعب العيال فى المستقبل إلى ما لا تُحمد عقباه، لكن البوح إلى أى مدي، وتحت أى شروط، وبأى طريقة.. هذا هو السؤال الذى تحدده الظروف وخطورة الحالة، فليبح كل منا بما هو مخبوء فى نفسه، حتى لا يتعاظم الشرر ! 







اقرأ أيضاً :


=======


‏المسجد الأقصي‏ ..‏ محطة الصعود إلي السماء

من أفسد أخلاق المصريين

كل الاحترام لـ الأزهر.. ولكن !




تعليقات

المشاركات الشائعة