الحج والعمرة والجنيه المصرى

المصدر الاهرام - عبدالفتاح الجبالى - قضايا و آراء


بدأت أقسام الشرطة فى مختلف مديريات الأمن بجميع محافظات الجمهورية فى تلقى طلبات حجاج القرعة لهذا العام، مع الأخذ بالحسبان أن المملكة العربية السعودية
قد أعادت حصة مصر الى ماكانت عليه قبل السنوات الأخيرة، بعد إتمام التوسعات التى قامت بها فى الحرم المكي. من هنا فمن المتوقع أن تزداد أعداد الحجاج والمعتمرين عن الأعوام السابقة. ويتزامن ذلك مع بدء موسم العمرة بدخول شهر رجب الهجرى والذى يصل إلى ذروته فى رمضان من كل عام. ومن المفارقات أن هذه التحركات تأتى مع ما يتعرض له الجنيه المصرى من تقلبات وتذبذبات صعودا وهبوطا، الأمر الذى يشير إلى عدم الاستقرار بالأسواق، لذلك بدأت حملة إعلامية عبر الكتابات الصحفية والبرامج الحوارية التليفزيونية، فى الربط بين الظاهرتين. بل وأصبحت العمرة هى المتهم الرئيسى لما يحدث من تقلبات للجنيه المصرى وما يحدث بسوق الصرف الأجنبي، ويصبح التساؤل عن مدى صحة هذه المقولة. وبعبارة اخرى هل صحيح أن السبب الأساسى لما يجرى فى سوق الصرف حاليا يرجع إلى موسم العمرة أم أنه يرجع لأسباب أخرى وإلى أى مدى تسهم هذه العملية فى تحركات أسعار الصرف؟




وقبل الإجابة عن هذه التساؤلات تجدر بنا الإشارة إلى أن المجتمع المصرى عموما يعانى مشكلة أساسية تكمن فى النظرة الأحادية للمشكلات فغالبا ما يتم تناول الموضوعات الجوهرية فى المجتمع من منظور واحد دون النظرة الكلية الشاملة للمسألة من جميع جوانبها الأمر الذى يدفعنا الى حلول جزئية تؤدى فى النهاية الى تعقيد المشكلات وليس الحل. وهو ما ينطبق تماما على الموضوع محل النقاش. فمن المعروف ان معظم من يقومون بالحج او العمرة هم من الشرائح الاجتماعية الدنيا فى المجتمع بل إن البعض منهم يقوم ببيع بعض او كل ممتلكاته لإتمام هذه الفريضة مرة واحدة فى العمر، وليس عدة مرات كما يشاع. وذلك على العكس من الشرائح الاجتماعية الأعلى دخلا والتى غالبا ما تسافر للخارج لقضاء الاجازات الأسبوعية والموسمية والسنوية، بل وهناك ظاهرة جديدة وهى الولادة بالخارج والتى انتشرت بشدة هذه الآونة، ليس فقط بين الفنانات، كما كان الوضع سابقا، ولكنها تعدتها لتشمل فئات كثيرة من الشرائح العليا فى المجتمع. هذا فضلا عما نشر أخيرا من قيام 1364 مصريا بشراء عقارات فى دبى بنحو 13 مليار جنيه خلال عام 2016.




وكلها أمور تضغط بشدة على سوق الصرف وبدرجة أعلى بكثير من الحج والعمرة. وهو ما يتضح بجلاء من خلال تتبع التطورات فى ميزان السفر بميزان المدفوعات المصرى خلال السنوات الأخيرة. وهنا نلحظ أن هذا الميزان قد تحول من فائض تراوح بين 6.9 مليار دولار عام 2011/2012 ونحو 4 مليارات عام 2014/2015 الى عجز بنحو 323.5 مليون دولار خلال العام المالى 2015/2016 وذلك بعد أن تراجعت الإيرادات السياحية من 6.9 مليار دولار عام 2011/2012 إلى 3.2 مليار عام 2015/2016 وعلى النقيض من ذلك ارتفعت قيمة المدفوعات على السفر من 2.5 مليار دولار إلى 4.1 مليار خلال الفترة نفسها. ولمزيد من التفاصيل نلاحظ أن بنود مدفوعات السفر للخارج قد تركزت أساسا فى مدفوعات الفيزا كارت التى ارتفعت من 1077 مليون دولار عام 2012/2013 ( بنسبة 36.8% من الإجمالي) الى 2488.2 مليون دولار عام 2015/2016 (بنسبة 60.8% من الإجمالي) بينما وفى المقابل تراجعت المدفوعات على الحج والعمرة من 1004 ملايين دولار (بنسبة 34.2% من الإجمالي) الى 889 مليونا (بنسبة 21.7% من الإجمالي) وكذلك هبطت مدفوعات السياحة والعلاج من 415 مليون دولار (بنسبة 14.2%) إلى 311 مليونا ( بنسبة 7.6 %) وكلها مؤشرات تدل دلالة واضحة على أن العامل الأساسى الذى يؤثر بالسلب فى هذا الميزان هو المتعلق بالتعاملات بالفيزا كارت، وبالتالى لم يكن مستغربا تلك الحملة الشعواء التى دارت حينما حاول البنك المركزى المصرى تنظيم هذه التعاملات لأنها كانت تضر بالأساس بأصحاب الدخول المرتفعة وهم ذاتهم أصحاب الأصوات العالية فى الإعلام بما يملكونه من قدرات هائلة فى التأثير عليه بالعديد من الآليات التى لا تخفى على أحد.




عموما فإن ما يحدث لسعر الصرف حاليا يعبر عن أزمة حقيقة بكل معانى الكلمة وعند البحث فى هذه المسألة بالتفصيل لابد من دراسة العناصر الأساسية بالسوق أى جانبى العرض والطلب. وهنا نلحظ أن هذه الأزمة تزامنت مع التحسن النسبى فى أوضاع ميزان المدفوعات أخيرا الأمر الذى يشير إلى أن العامل الأساسى مازال هو المضاربة والتى مازالت هى العنصر الفاعل بالأسواق، خاصة مع التضارب فى القرارات المنظمة للتعامل وتردد البنك المركزى فى الدخول للأسواق فى اللحظات التى تطلب ذلك ، ومن العناصر الأخرى التى غذت المضاربات دخول الإعلام والصحف اليومية (القومية والحزبية والمستقلة)فى مزايدات يومية حول سعر الصرف،دون أدنى علاقة بالواقع ولكنها كانت أشبه بمبارزة صحفية بين الصحف المختلفة حول أيهما سيعلن سعرا أعلى للدولار بغض النظر عن السعر الفعلى بالأسواق !!




وقد أحسن المضاربون استغلال هذا الموقف تماما، وهو ما أدى إلى ارتفاعات متتالية وغير مبررة على الإطلاق فى أسعار الصرف، إلا فى ضوء رغبة هؤلاء فى رفع أسعار الدولار بغية تحقيق أقصى ربح ممكن، ومما شجعهم على ذلك السفه الاستيرادى الحالى الذى يؤدى إلى استيراد المزيد من السلع الاستهلاكية والترفيهية التى تجد الزبون الدائم والمستعد للدفع عند أى مستوى للأسعار.




هذا فضلا عن أن السياسة الاقتصادية الحالية تؤدى الى المزيد من الطلب على العملات الأجنبية وليس العكس. حيث يتم استخدام هذه العملات فى تسوية العديد من المدفوعات المحلية. وأصبح البعض يشترط الدفع بالدولار وليس بالجنيه عند شراء سلعة معينة بل ووصلت الى مصروفات المدارس واشتراكات الأندية ناهيك عن الفنادق وغيرها من الأنشطة. الأمرالذى يجعلنا نطالب بضرورة إعادة الاعتبار للجنيه المصرى عن طريق تفعيل القانون القاضى بتجريم أى مدفوعات تتم على أرض الوطن بالعملات الأجنبية،أى ضرورة إيجاد طلب على الجنيه المصرى وليس العكس.




عموما فإن الاضطرابات الحالية بالأسواق تتطلب بالضرورة تفعيل دور البنك المركزى لكى يدير تحركات أسعار الصرف وفقا للأهداف الموضوعة للسياسة الاقتصادية للدولة. فعند ظروف اقتصادية معينة، يمكن تعديل أسعار الصرف، بدرجة معقولة ولكن شريطة الإدراك التام لكل العوامل والعناصر المؤثرة على هذه العملية واحتمالاتها المستقبلية.






اقرأ أيضاً :

========

هيئة قومية لـ الحج والعمرة.. لماذا ؟

عقبــات فى طريــق الحج

ورثته باعوا روائعه لأثرياء مكة

قبل السفر للعمرة : تعرف على مكونات حقيبتك

فضل الليالى العشر الأولى من شهر ذى الحجة

اعرف نتيجتك فى قرعة الحج السياحى 2016.. برقم البطاقة

حكايات من زمن الوالى .. عمر مكرم .. زعيم الشعب





تعليقات

المشاركات الشائعة