الدراما .. وإعادة ضبط العقول

«القدرة على إقناع الآخرين بفعل ما تريد دون اللجوء للقوة أو القمع» كان تعريف جوزيف نى لمصطلح القوة الناعمة الذى صكه فى أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
وطالما كان للأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية بوجه عام ،والأمريكية بوجه خاص، تلك القدرة على تشكيل الذهن الجمعى وربما اعادة ضبط العقول لتقبل فكرة أو فلسفة أو حزمة قيم عبر قصص ترفيهية سهلة الهضم وشديدة التغلغل ولكن تتطلب وقتا لتحقيق أهدافها حيث يصعب على البشر تغيير آرائهم أو سلوكهم بين ليلة وضحاها.
والعلاقة بين هوليوود والسياسة الأمريكية تعد دليلا بارزا على دور الأفلام كـ «بروفة» لغرس أفكار ومشاعر مسبقة لدى الجمهور وكـ «بالونة اختبار سياسية» لتهيئة المواطنين لتقبل تغيير ما.

فعلى سبيل المثال وقبل سنوات طويلة من هجمات الحادى عشر من سبتمبر كان الإرهاب بؤرة اهتمام صناع السينما فى أمريكا.سلسلة من الأفلام ظهرت فى آواخر الثمانينات كان هدفها الأساسى التركيز على الصراع الأبدى، وفق وجهة نظرهم، بين القيم الحضارية الغربية الديمقراطية والبربرية البدائية الاسلامية المتطرفة!
وعبر التراكم استطاعت تلك الأفلام وبصورة غير ملموسة وغير مباشرة، التلاعب بأذهان المواطنين ودفعهم لتصديق أن الشرق الأوسط، بعد اختفاء خطر العدو الأول السابق بانهيار الاتحاد السوفيتى، هو مصدر التهديد والقوى الظلامية، وكأنها «بروفة طويلة الأمد» لاستدعاء مشاعر الكراهية والعدائية تجاه تلك المنطقة من العالم وتبرير قرارات السياسة الأمريكية.
وعلى نفس المنوال جاء دور الأفلام والمسلسلات الأمريكية لتحضير الذهن الجمعى لتقبل فكرة وصول أول رئيس أسود للبيت الأبيض (باراك أوباما فى 2008) وربما أول رئيسة (هيلارى 2016).
وعن دور الدراما الأمريكية فى تهيئة عقول الناخبين لتقبل فكرة اختيار رئيس ملون كتبت صحيفة نيويورك تايمز فى اعقاب فوز باراك أوباما بأول فترة رئاسية «كنا قد شاهدنا كثيرا من الرؤساء السود بالفعل، ليس فى البيت الأبيض الحقيقى ولكن فى العالم الافتراضى للأفلام والمسلسلات».
فأفلام مثل «الرجل» و «deep impact» و «رئيس الدولة» و«العنصر الخامس» و«2012» و «سقوط البيت الأبيض» ومسلسل «24» الشهير ساعدت الأمريكيين على تخيل الخطوة غير المسبوقة لأوباما قبل حدوثها، بل يمكن القول إنها سرعت بحدوثها دون ضجيج وفقا لآراء بعض الباحثين.
مسألة «الاسراع بحدوث التغيير» قد تبدو غريبة هنا اذا عرفنا أن أول مرة طرحت فيها فكرة الرئيس الأسود كان فى 1972فى فيلم «الرجل» أى قبل 36 عاما من فوز أوباما ولكن هذا هو عيب القوة الناعمة حيث لا تأتى بنتائج فورية وانما تتطلب وقتا وتراكما.
عيب آخر رصده النقاد فى الأفلام الهوليوودية التى قدمت الرئيس الأسود وهو أن أغلبها كان من نوعية الخيال العلمى وأن الرئيس الأسود غالبا ما كان يتصدى لخطر ارهابى أو هجوم من كواكب أخرى معادية للأرض، وكأن الظروف التى يمكن أن يتولى فيها رئيس أسود حكم البلاد لابد وأن تكون استثنائية.
الظروف الاستثنائية كانت أيضا السبب فى تولى «سيدة» رئاسة أقوى دولة فى العالم فى الأفلام والمسلسلات التى حاولت تصوير هذا الأمر، ولكن الظرف الاستثنائى فى أغلب تلك الأعمال الدرامية كان هو عجز الرئيس الرجل عن ممارسة مهامه سواء نتيجة المرض أو الموت أو الاختفاء أو الاختطاف! كما فى فيلم «إير فورس وان» و«فضيحة» ومسلسل «قائد القوات المسلحة».
كان أول تجسيد لرئيسة للولايات المتحدة فى فيلم «مشروع قاعدة القمر» فى عام 1953 وهو من نوعية الخيال العلمى وتجرى أحداثه فى المستقبل فى عام 1970، حيث تشرف الرئيسة على إرسال بعثة للقمر.
وتعليقا على الفيلم يرى جيف سميث فى كتابه "الرؤساء كما نتخيلهم" أن صناعة السينما عادة ما تعكس مشاعر ومخاوف المواطنين ازاء الحياة المعاصرة وأن الحرب العالمية الثانية أحدثت تغييرا جذريا فى النظرة للدور التقليدى للجنسين فى الولايات المتحدة. وبالتالى فتقديم سيدة كرئيسة فى فيلم مشروع «قاعدة القمر» جاء كنتيجة طبيعية للتغيير السياسى الاجتماعى الذى طرأ على المجتمع.
وتلا ذلك الفيلم أعمال كثيرة قدمت الرئيسة السيدة مثل افلام «قبلات لرئيستى» و «تحية للرئيسة» ومسلسلات مثل الجزء الثانى من مسلسل «24» و «قائدة القوات المسلحة» و «فيب» وآخرها مسلسل «state of affairs» والذى قرر اتخاذ خطوة أكثر جرأة بتقديمه أول رئيسة من أصول أفريقية!
وعلى الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن ينكر مبادرة تلك الأعمال لتغيير نظرة المجتمع الأمريكى ومحاولة دفعه لتقبل فكرة السيدة الرئيسة إلا أن كتاب «تاريخ السيدات الرؤساء فى الأفلام» يشير إلى أن تقديم الرئيسة فى العالم الخيالى قد مهد الطريق أمام تقبل المجتمع لهن ولكن اقتصار الافلام التى قدمتهن على نوعية الخيال العلمى و الدراما الكوميدية أفقد الفكرة الكثير من الجدية.
كما يرى البعض أن تلك الأفلام الخيالية لم تحاول الإجابة على سؤال كيف سيتغير العالم اذا ما تولت سيدة رئاسة أقوى دولة ...سؤال قد يجيب عنه الواقع قريبا اذا ما فازت هيلارى كلينتون فى انتخابات 2016.



اقرأ أيضاً :

الحمار الديمقراطى والفيل الجمهورى فى انتخابات رئاسة أمريكا

سولى .. عندما تكون القرارات المصيرية وجهة نظر

مفاجأة .. عشرات الجنود الأفغان «اختفوا» فى أمريكا

دراسة دولية : مستوى تعليم «الدواعش» يفوق التوقعات

قط أسود يهاجم ترامب

خبراء عن استقبال أوباما في الصين: "خطأ بروتوكولي"




الثلاثى هشام وشيكو وفهمى ينافسون بعضهم لأول مرة!

صابر جوجل .. "دعدوش" و "تحت الترابيزة" فى سينما العيد

الدراما وضعف النصوص يبعدان يحيى الفخراني وشيرين ولقاء عن السينما

«مارلين مونرو الشرق».. هند رستم





تعليقات

المشاركات الشائعة