كلمة حق .. فى ساحة الفوضى


المصدر الاهرام - فاروق جويدة - مقالات و اراء

اما إننا دولة غنية أسيىء استخدام مواردها فهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد..واما انها دولة لها خصوصية فى الأهمية والقيمة والموقع والتاريخ فهذه ايضا حقائق سطرها الواقع منذ آلاف السنين. وإما اننا دولة متقدمة بلغة العصر فهذا كلام نختلف عليه إلا إذا استعدنا صفحات التاريخ لنكتشف اننا كنا يوما على رأس هذا العالم تقدما وحضارة وانجازا واهمية..ولكن لكل عصر فرسانه..اما اننا كشعب لا ندرك قيمة وطن نعيش فيه فهذه اكبر حقيقة فى حياتنا ولها من الأدلة الكثير..وقبل هذا كله نحن شعب لا يؤمن بمبدأ المشاركة ويسيطر علينا منطق الجزر والمبالغة فى روح الفردية المفرطة فى كل شىء..وقد سادت هذه الروح فى عمل مؤسسات الدولة وآداء الحكومة والمسئولين فيها كما سيطرت هذه الفردية على الإنسان المصرى تحت شعار انا او الطوفان ولهذا اختار كل إنسان هدفا صغيرا او كبيرا دون النظر للآخرين.

< مازلنا حتى الآن نفتقد روح الفريق وكل إنسان يرسم الأشياء حسب فكره ورؤاه دون ان يسمع للرأى الآخر..وكثيرا ما اختلفنا حول أشياء ما كان ينبغى الخلاف عليها..وإذا أخذنا مشروع توسيع قناة السويس نموذجا فقد ظهر فريق رفض المشروع من بدايته وهذا حق مشروع فى إبداء الرأى ولكن إذا كان المشروع قد تم تنفيذه فيما يشبه المعجزة وبدأت نتائجه وفيها إيجابيات كثيرة فلماذا الجدل حول نقطة البداية ولماذا تشويه الصورة وافتعال الأزمات لأن ما حدث فى قناة السويس صفحة أغلقناها مع انجاز كبير ولكن هناك رغبة فى استنزاف الوقت والجهد والأعصاب فى قضايا حسمت، إذا كان البعض يرى فيها سلبيات فالزمن سيحكم بيننا ولكن لأننا أمام انجاز تم كان ينبغى ان نفرح جميعا بما أنجزنا: الرافضون والمؤيدون ولكنها الرغبة فى تشويه كل شىء.

< هناك اختلاف فى المواقف حول مشروع العاصمة الجديدة البعض يرى ان هناك أولويات اهم بينما يرى البعض الآخر ان المشروع يعكس رؤى مستقبلية لأجيال قادمة وان الأزمة الحقيقية التى افسدت علينا فرصا كثيرة ان البعض كان يفكر فقط تحت قدميه ولهذا بقيت الأحوال جامدة ولم تتغير..والحل فى تقديرى ان نقرأ الصورة بوعى اكبر وإيمان اعمق بالمستقبل هناك من يرى ان المشروع يحتاج مالا كثيرا وهناك من يرى ان كل شىء محسوب وان عائد الأراضى فى المشروع يكفى لتغطية كل التزاماته وعلينا ان ننتظر لأننا نتحدث مع سلطة مسئولة تدرك انها ستحاسب يوما .. لا اعتقد اننا يمكن ان نختلف حول مشروعات تم انجازها مثل الكهرباء والطرق واستصلاح الاراضى وإنقاذ سكان العشوائيات فى مشروع لإعادة بناء الدولة.

< هناك اتفاق بيننا على ان قضايا الفساد من أسوأ ما خلفته العهود الماضية ابتداء بالمسئول الكبير وانتهاء بموظف الأرشيف، وان الفساد قضية ضمير واخلاق وتربية وان الأخلاقيات فى مصر تعرضت لعمليات تجريف ضارية امام تعليم فاسد واسرة مفككة وتفاوت طبقى وإنسانى رهيب وانه من الصعب ان تطارد مواكب الفساد فى ليلة واحدة لأنها تراكمات طالت المجتمع فى اعمق مكوناته وجذوره ولكن إذا كان الحل صعبا فإن التقصير فى العلاج كارثة وهنا ينبغى ان تفيق اجهزة الدولة سواء كانت رقابية او تنفيذية وتطارد الفساد بكل الوسائل، ان الخطأ الأساسى الذى نقع فيه ان نتغاضى عن الكارثة بحيث تزداد الأحوال سوءا وفسادا..فى شهور قليلة اطلت علينا مرة واحدة حالات فساد كارثية، وكانت هذه الحالات امتدادا لتاريخ طويل من الفساد كما حدث فى توزيع الأراضى واستيراد القمح وهى قضايا ليست جديدة ولكن من الخطأ الجسيم الا نقطع الطريق على لصوص المال العام خاصة إذا تعلق الأمر بمسئولين كبار ـ يخضعون لأجهزة رقابية صارمة ـ او بآلاف الملايين من الجنيهات..ان محاربة الفساد لن تتم فقط بإجراءات قضائية بطيئة وملتوية ولكنها تحتاج الى قرارات حاسمة تعيد للشعب أمواله وللسلطة هيبتها وقد تقاعست اجهزة الدولة فى قضايا نهب المال العام فى عصور سبقت وكان ينبغى ان تسعى بإجراءات جادة لاستعادة اموال الشعب.

< من أسوأ ما خلفت لنا السنوات الخمس الماضية لعنة الانقسامات، وقد شجع الإخوان المسلمون هذه الأمراض ما بين مسلم عادى ومسلم سلفى او إخوانى او علمانى وما بين قبطى وغير قبطى وما بين مدنى وعسكرى، ولاشك ان هذه الانقسامات تركت رواسب كثيرة فى مجتمع غابت عنه العدالة سنوات طويلة واختفى شعار قديم عن تكافؤ الفرص..فهل نلوم الجيش المصرى وهو يشارك فى إعادة بناء ما خربته السنوات العجاف وإذا كان الجيش قادرا على استيراد سلع ضرورية بنصف ثمنها أمام جشع التجار فهل نلوم الجيش ام نلوم الجشع.

< ان محاولات زرع الفتن بين ابناء المجتمع الواحد فى ظل الأمية وغياب الوعى والإعلام المضلل كلها اشياء لابد ان تعالج بالحسم والإرادة ولا ينبغى ان نترك من يعبث فى هذه المناطق لأنها اوسع الطرق واقصرها للخراب والحروب الأهلية..ان مصر فى حاجة الى كل يد تبنى سواء كانت مدنية او عسكرية إسلامية او قبطية وهناك مجالات كثيرة واسعة يمكن ان تستوعب قدرات هذا الشعب.

< تعجل البعض فى طرح اسم الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيسا لفترة رئاسية قادمة وهناك أسباب كثيرة كان ينبغى ان نحرص عليها..اول هذه الأسباب ان الرجل مازال يعيش معركة ضارية فى جبهات كثيرة داخليا وخارجيا وليس من العدل ان نفتح له معركة بهذه الحساسية الآن..ثانى هذه الأسباب ان الرجل مازال يكمل مشروعه فى إعادة بناء مصر وهو يمضى فى برنامجه حتى الآن بنجاح كبير وسوف نحاسبه كشعب على ما انجز فى هذا المشروع بعد عامين من الآن..ثالث هذه الأسباب ان طرح اسم الرئيس لفترة رئاسية قادمة ينبغى ان تكون خلفه ترتيبات وحسابات تليق بهيبة رئيس مصر.

< وفى تقديرى ان النقاط الثلاث لم تكن فى خلفية من طرحوا السؤال على الجماهير بصورة ساذجة ومندفعة هل توافق على ترشيح الرئيس السيسي..ان مثل هذا السؤال سوف يحسمه اولاً الرئيس نفسه حين يقرر ذلك وتجيب عنه انجازات سوف يطرحها بعد عامين من الآن وساعتها سوف تكون هناك حقائق أخرى على الأرض تجعل من بقاء الرجل ضرورة لمسيرة أطول أكثر أمنا ورخاء..لقد تسرع البعض فى طرح هذه القضية وكأننا امام مقاتل يحارب فى معركة وفر بعض جنوده يبحثون عن الغنائم.

ينبغى ان تبقى مؤسسة الرئاسة بعيدة عن التراشق الإعلامى البغيض سواء كان نفاقا او مدحا.. رفضا أو قبولا لأنها تمثل هيبة الدولة التى ينبغى ان نحرص عليها.

< لابد ان نعترف بأن الحكومة أسرفت كثيرا فى إصدار القوانين والقرارات خاصة ما يخص الأعباء الضريبية او زيادات الأسعار مثل الكهرباء وكان ينبغى ان تتدرج فى هذه القرارات فقد دفعت مرة واحدة بمجموعة كبيرة من الأعباء المالية على المواطن العادى خاصة ان القرارات جاءت فى ظل مفاوضات مع صندوق النقد الدولى بكل ما يحمله من ذكريات أليمة لدى المصريين وقد ساعد على ذلك ارتباك الأسواق حول سعر الدولار ولا شك ان ذلك كله ساعد على إيجاد حالة من الخوف والارتباك لدى المواطن المصري.

< مازال الإعلام المصرى يمثل نقطة ضعف شديدة فى حياة المصريين وما بين الرفض والقبول فإنه يقف حائرا ما بين الشعب والحكومة والرئيس..أمام الشعب هو يدعى انه مع الفقراء رغم انه يعمل ويقبض فى بوتيكات الأثرياء..ومع الحكومة هو يهاجم حسب ما يراه رجال الأعمال..ومع الرئيس هناك من يسعى إلى الجماهيرية حتى لو افتقد الأمانة وهناك من ينافق حتى لو تجاوز كل الحدود..وفى تقديرى ان المواقف كانت واضحة تماما فى الأسابيع الأخيرة فقد لعب الإعلام أدوارا ليست فى حدود اختصاصه لأنه تجاوز كثيرا والبعض الآخر يبحث عن بطولات وهمية وما بين إعلام يحاول ان يستنسخ صور الماضى وإعلام تحركه المصالح وقف المواطن المصرى يتساءل واين الدولة فى كل هذه الكوارث.

< فى الأيام الأخيرة ورغم حملات التشكيك والهجوم على مجلس النواب فقد كشر عن أنيابه فى قضية القمح ووزير التموين، ووقف بصلابة أمام قضايا الضرائب والرسوم الجديدة ثم كان موقفه الرائع فى قانون تجريم ختان الإناث وهو موقف إنسانى حضارى بكل المقاييس وسوف يحسب هذا القانون للدولة المصرية بكل مؤسساتها يضاف لذلك قانون بناء الكنائس وهو من القضايا المزمنة.

بقيت عندى نقطة أخيرة..نحن فى حاجة إلى ان نهدأ قليلا حتى نكمل المشوار.. وان يهدأ الشارع لأن هذا الصخب لن يصل بنا إلى شىء، وان نعمل لأن حالة الصمت والتكاسل التى طالت بنا قد أخذت وقتا طويلا وان نعالج أمورنا ونواجه انقساماتنا لأنها اخطر ما يهددنا الآن..هناك ألغام كثيرة انفجرت فى وجوهنا ابتداء بقضايا الفتنة الطائفية فى قرى الصعيد والخطبة الموحدة فى المساجد وأسعار السلع والكهرباء والأعباء المعيشية وانتهاء بالإعلام الذى حمل المصريين كل أوبئة الانقسامات والفتن والمعارك.

< أن تراجع الحكومة ملفات المسئولين فيها أداء وعملا وسلوكا وأمانة فلا احد فوق القانون وإرادة الشعب..وفى تقديرى ان الدولة مازالت فى حاجة الى فريق عمل أكثر كفاءة وشفافية وإيمانا بقضية إعادة بناء مصر.

< لقد أفسدت الصراعات والمعارك السياسية الشارع المصرى ومن يتابع الفضائيات الإخوانية يشعر بالأسى ان يصل حال المصريين الى هذه الحالة من الانقسامات والتردى لغة وسلوكا وحوارا.. هل من اجل السلطة والكراسى يحدث هذا من أشخاص يتحدثون باسم الدين ويدعون الى الله، ان البعض يتصور ان الحل هو العودة الى حزب سياسى حكومى ولنا فى الماضى عبر كثيرة فى تجارب فاشلة ابتداء بهيئة التحرير والاتحاد القومى والحزب الوطنى وتوابعه وهى نماذج ربما كانت تصلح فى زمانها ولكن المؤكد ان مصر فى حاجة الى تجربة ديمقراطية حقيقية تستوعب شبابها لأن الماضى لا يمكن استنساخه فى رموزه وصوره وهى تجارب لم تكن مجدية..ان فتح المجال امام حركة الشباب ووعيه ودوره هو الطريق الوحيد لتوفير مناخ سياسى يعيد التواصل بين فصائل هذا الشعب فلم نأخذ من السياسة غير الانقسامات والفوضى وغياب الهدف.




..ويبقى الشعر


نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..
ومازلتُ اسألُ : هل من دليلْ ؟!!
أحاولُ أن استعيدَ الزمان
وأذكر وجهي...
وسُمرة َجلدي...
شُحوبى القليل...
ظلالُ الدوائرِ ِفوق العيونْ
وفى الرأسٍ يعبثُ بعضُ الجنونْ
نسيتُ تقاطيعَ هذا الزمانْ
نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ..
عيونى تجمَّدَ فيها البريقْ..
دَمى كان بحراً..
تعثر كالحلمِ بين العروقْ..
فأصبح بئراً..
دمى صار بئراً
وأيامُ عمرى حطامٌ غريقْ..
فمى صار صمتًا..كلامى مُعادْ
وأصبح صوتى بقايا رمادْ
فما عدتُ انطقُ شيئاً جديداً
كتذكار صوت أتى من بعيدْ
وليس به ايُّ معنى جديدْ
فما عدتُ أسمع غيرَ الحكايا
وأشباحُ خوف برأسى تدورْ
وتصرخُ فى الناسِ
هل من دليلْ ؟؟
نسيتُ ملامح وجهى القديم
لأنَّ الزمانَ طيورٌ جوارحْ
تموتُ العصافيرُ بين الجوانحْ
زمانٌ يعيش بزيف ِالكلامِ
وزيف ِالنقاءِ ..وزيف المدائحْ
حطام ُالوجوه على كل شىء
وبين القلوب تدورُ المذابحْ
تعلمتُ فى الزيف ألا أبالي
تعلمتُ فى الخوفِ ألا اسامحْ
ومأساةُ عمري..وجه قديمْ
نسيتُ ملامحَه من سنينْ
أطوفُ مع الليلِ وسط الشوارعْ
وأحملُ وحدى همومَ الحياهْ
أخاف فأجري..وأجرى أخافُ
وألمحُ وجهي..كأنى أراهْ
وأصرخ ُفى الناسِ هل من دليلْ؟!!
نسيتُ ملامحَ وجهى القديمْ
وقالوا..
وقالوا رأيناكَ يوماً هنا
قصيدةَ عشقٍ ٍهوتْ..لم تَتمْ
رأيناكَ حلماً بكهفٍ صغير
وحولكَ تجرى ..بحارُ الالمْ
وقالوا رأيناكَ خلف َالزمانِ
دموعَ اغترابٍ ..وذكرى ندمْ
وقالوا رأيناكَ بين الضحايا
رُفاتَ نبيًّ مضى ..وابتسمْ
وقالوا سمعناكَ بعد الحياةِ
تُبشَّر فى الناسِ رغم العدَمْ
وقالوا..وقالوا ..سمعتُ الكثيرْ
فأين الحقيقةُ فيما يقالْ ؟
ويبقى السؤالْ..
نسيتُ ملامح وجهى القديمْ
ومازلتُ أسألُ ..هل من دليلْ ؟!!
مضيتُ أُسائل نفسى كثيراً
تُرى أين وجهى ..؟!!
وأحضرتُ لوناً وفرشاةً رسم ٍ..

ولحنـًـا قديمْ
وعدتُ أُدندنُ مثل الصغارْ
تذكرتُ خَطـًا
تذكرتُ عينـًا
تذكرتُ أنفـًا
تذكرتُ فيه البريقَ الحزينْ
وظلٌّ يدارى شحوبَ الجبينْ
تجاعيدَ تزحفُ خلفَ السنينْ
تذكرتُ وجهيَ
كلَّ الملامح..كلًّ الخطوطْ
رسمتْ انحناءاتِ وجهي
شُعيرات ِرأسى على كل بابْ
رسمتُ الملامحَ فوق المآذِنِ..
فوق المفارقِ..بين الترابْ
ولاحت عيونيَ وسط السحابْ
واصبح وجهى على كلَّ شىء

رُسوماً..رُسومْ
ومازلتُ أرسمُ ..أرسمُ ..أرسمْ
ولكنَّ وجهى َما عاد وجهي..
وضاعت ملامحُ وجهى القديمْ.

قصيدة "وضاعت ملامح وجهى القديم" سنة 1983

تعليقات

المشاركات الشائعة