أسطورة العنف غير المبرر دراميا !


المصدر الاهرام - محمد حبوشة - قضايا و اراء

في الوقت الذي ينبغي فيه أن تسهم الأعمال الدرامية بتأثيراتها الإيجابية وأهمها الجانب الثقافي والمعرفي، في تنمية الخيال وتقديم مضمون إعلامي هادف ومفيد خلال الشهر الفضيل، تصدمنا بعض المسلسلات بجرعات من العنف الذي يساهم في تدمير عقول الشباب، و"تشوش" اتجاهاتهم، إضافة إلى حدوث مشاكل سلوكية واضطرابات نفسية واجتماعية، بل إنها تعمق مشاعر سلبية عديدة، بما يقدم من نماذج البطولة الشعبية الهشة أو غير الصحيحة أو المشوهة، وهو ما يساعد على انتشار العنف غير المبرر دراميا، وسيادة اللغة الهابطة بين الأطفال والشباب في طريقة تعاملهم بتقليد أعمى لشخصيات مثل "ناصر" و"رفاعي" كما جاء في مسلسل "الأسطورة".
وتكمن الخطورة هنا في عدم فهم الكثير من كتاب السيناريو لمفهوم الدراما التليفزيونية، وهو ما يعكس خللا كبيرا يفضى بالضرورة إلى ميوعة ثقافية بصرية هشة، تستند إلى حوارات درامية تخدش الثقافة البصرية والنفسية، وتتعارض مع جدران منظومتي الأخلاق والقيم لدي قطاع كبير من جمهور لا يجنح بالفطرة إلى تلك النوعية من البطولة التي تغذي إحساسا مزيفا بداخل فئة من الشباب يرون في الخروج على المألوف من القيم الدينية والخلقية التي تربينا عليها نوعا من التباهي، واللجوء لحلول فردية قائمة على العنف، بعد سقوط هيبة الأب والأم بفعل ثوري رجيم مستمد من قلب ما يسمى بالربيع العربي الذي فتح أبواب الشيطان بفائض من الحرية غير المسئولة في غياب التواصل والحوار الناجم عن الاغتراب الأسري، وتراجع دور المدرسة والجامع والكنسية.
ما ورد في خيال مؤلف مسلسل "الأسطورة" لا يندرج تحت مايسمى بالأعمال التي تعبر عن جيل الشباب وقضاياهم، وما جاء على لسان بطله "محمد رمضان" حين رد على منتقدية قائلا: "الأسطورة بيخوف نجوم مصر كلها"، واعتبر أن الانتقادات الموجهة للعمل بمثابة حملات تشويه بعد تحقيق المسلسل نجاحًا وشعبية كبيرة بين الجمهور، يشكل ميلا جنونيا لترسيخ العنف في وعي الشباب، وترويج صورة غير حقيقية عن الحارة المصرية، ما جعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون عن استيائهم من طبيعة المشاهد، والحوار غير اللائق، لتضمنه عبارات غير مناسبة لدراما رمضان - حسب قولهم - بل اعتبر البعض منهم أن العمل من حيث القصة والأداء التمثيلي ضعيف ومكرر، لتشابه المسلسل مع أعمال "محمد رمضان" السابقة مثل (ابن حلال- عبده موته - شد أجزاء - الألماني" وغيرها من أعمال تتسم بالعنف المفرط، فضلا عن افتقاد المسلسل لرسالة اجتماعية واضحة، فما قيمة أي عمل درامي مالم يكن في حد ذاته إضاءة على بعض مشكلات وآفات المجتمع، ونقل رسالة مباشرة أو غير مباشرة للمشاهدين ليأخذوا العبرة منها وينقلوها إلى الأجيال القادمة.
مسلسل "الأسطورة" يعبر وبوضوح عن التأثير السلبي المباشر للدراما على اللغة والسلوك لدى الشباب، عندما أشاع ألفاظا سيئة وقبيحة وسطحية وهشة، ويرسخ - دون وعي من جانب صناعه - لحالات من عنف غير مبرر تنتشر بسرعة بين المراهقين والصبية، كما إنها فى الوقت ذاته تهدد سلوكيات الأطفال بعدما أصبحوا يستخدمونها في تعاملاتهم اليومية، ويتداولونها عبر رسائل المحمول، مع تنامي تعلقهم بالقشور والمظاهر في طريقة الملبس والمظهر، وتقليد الأشياء التي تبعد تماماً عن ديننا وقيمنا الأصيلة، في محاكاتهم لطرائق العنف التي تمتلئ بها حلقات المسلسل، ولست أطالب هنا بفرض مثالية تفسد الحبكة الدرامية أحيانا في تجسيد شخصيات خارجة على القانون، أو ذات خلفية ثقافية وأخلاقية شاذة في بعض المسلسلات، ولكن أحاول فقط تفسير: لماذا تتخذ المعالجات الحواراية في بعض المسلسلات الرمضانية وبشكل ملحوظ منحى عنفيا شاتما في معظم الأحيان، يتطاير- لداع أو دون داع - علينا كمشاهدين من داخل مستطيل الشاشة التي أصبحت عدائية في صورتها بامتياز.
صحيح أن الأمة المصرية والعربية بطبيعتها متدينة متمسكة بالعادات وتعلي من شأن القيم الدينية والأخلاقية، لكنها تتعرض الآن أكثر من أي وقت مضى لدعاوى بعض من أبنائها بالخروج العلني على المألوف عبر مضمون مدسوس بهدف تجاري ضيق بغرض تفتيت تلك القيم، والبعض الآخر يغالي في عرض الواقع، فإذا كانت الدراما عملا إبداعيا في الأساس، فلا يعني ذلك أن تركز على النماذج الشاذة أو المتطرفة في اتجاهاتها وقيمها، فالمحصلة النهائية من هذه الأنواع تترك تأثيراتها وبصمتها على المتلقين، تماما كما تؤكد العديد من الدراسات الإعلامية المعنية بتحليل الدراما التلفزيونية، بأن تركيزها أصبح ينصب على القيم السلبية أو الشاذة بما يفتح المجال لظهور اختلال في منظومة القيم، واختفاء قيمة الكفاح، واهتزاز صورة الأب والأم والأسرة، والنظرة المادية للزواج، وعدم احترام العلم، وسيطرة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعدم احترام القانون، وقلة عدد الشخصيات الإيجابية في الأدوار الرئيسة وزيادتها في الأدوار الثانوية، وفي النهاية شئنا أم أبينا الدراما التلفزيونية مثل أي عمل فني يحمل تأثيرا على حياة الإنسان، وبسحر الصورة يبقى الفن المتقن والمعالجة المهنية باعثا على التفاؤل لدى المشاهد، كما أن الفن الرديء يورثه اكتئابا وأشياء أخرى لا يعلمها إلا الله.


تعليقات

المشاركات الشائعة