فضيحـة في القاهـرة‏!‏


المصدر الاهرام - هشام النجار - قضايا و آراء

الأثنين 8 من رمضان 1437 هــ 13 يونيو 2016 السنة 140 العدد 47306


ما طرحه الدكتور طارق رمضان مؤخرا يأتي في وقت يبرز الجميع عضلات النقد للإخوان حتي أعضاؤها وقادتها كأنهم يغتسلون من خطاياهم.

حالة رمضان خاصة ليس لكونه حفيد مؤسس الجماعة بل لأنه نجل سعيد رمضان الشخصية الأكثر تأثيرا في منعطفات الإخوان نحو السقوط عندما غرس بذرة التنظيم الدولي وحولها لأداة وظيفية بيد الغرب, ولمكانته الأكاديمية ولأنه يمتلك عقلا نقديا متنقلا بين مراكز التخطيط والتآمر الدولية, وقد كان من القلائل الذين اعترفوا منذ البداية أن الثورات العربية علي عفوية أسبابها فيها مؤشرات وقرائن علي صناعة أمريكية وغربية, وفي محاضرته الجديدة ينتقد طارق رمضان تركيز الإخوان علي السلطة وعدم فهمهم الصورة الكاملة, والأهم أنه يطرح عليهم هذا السؤال اليس كافيا أن تقول لي دولة مدنية ذات مرجعية دينية, أريد أن أعرف ماذا تعني لك؟
ذهب الإخوان لمشروع نهضة إخواني أمريكي وليس لمشروع وطني مشغول بفكر وتجارب التيارات الوطنية المصرية جميعا, والشيخ القرضاوي مرجعية الثورات الفكرية وصف الأطلسي بحلف الفضول, وأنه لو بعث الرسول صلي الله عليه وسلم من جديد لما تردد في التحالف مع الناتو بحسب زعمه, ويتطابق طرح فرنسيس فوكاياما كما في حوار له مع صحيفة إسرائيل اليوم11 فبراير2011 بأن الثورات منحت أمريكا المصداقية لتزعمها مشروع إعادة الديمقراطية إلي العالم العربي بطرح نموذج يجمع بين الإسلام والديمقراطية, مع كلام راشد الغنوشي الذي طرحه علي هامش زيارته لأمريكا المواكبة للثورات بأن هدف الثورة التونسية تحقيق نموذج جديد يجمع بين الإسلام والديمقراطية.
فهل يسعي الغرب حقا لتحقيق هذه المواءمة بشكل يخدم الإسلام وصورته الحقيقية ونهضة بلاد العرب؟ أمريكا والأطلسي ليست جمعيات خيرية أو مراكز حقوقية ولن ترسل للحالمين بالديمقراطية والحريات ومشروع النهضة العربي باقات زهور وبرقيات تهنئة, بل هي قوي وتكتلات لا يهمها إلا مصالحها, ولم يسأل الإخوان أنفسهم لماذا يريدكم الأمريكان في السلطة وفق هذه المشاريع الملغمة التي تشبه علبة لحم خنزير مدون عليها حلال لتريح من يتناولها من المسلمين ولتنجز الأهداف الغربية, أو أنهم يعرفون لكن رغبتهم العمياء في السلطة دفعتهم لاستمراء الخداع.
الغرب خطط ويسعي منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي لإقامة كيانات منفصلة بالمشرق العربي تخضع لنفوذه الحضاري والسياسي وقيمه الفكرية, لتفسد قابليتها لأن تكون عنصرا إيجابيا داخل الكيان الحضاري والثقافي العام لأمة عربية موحدة قادرة علي النهوض بمشروع تحديث وتحضير شرقي مستقل, واعتمد الغرب لإرباك هذا المشروع علي الدفع بمؤثرات أغلبها قشور وبهرج, وقوامها الفعلي استراتيجيات طويلة الأمد تضرب أية وحدة عربية تنطلق من أية وجهة فكرية, وعلي مدي عقود طويلة حرص الغرب علي تأمين مصالحه والمواد الخام وتفوقه الحضاري واستقراره ورفاهيته بإبقاء المنطقة العربية تحت سيطرته لا تجتمع علي مشروع موحد مع تخديرها بالوعود والشعارات الزائفة ليظل العرب في حالة تسول دائم للحقوق ومنتجات الحضارة الحديثة.
جيل النخبة العربية الذي سافر بداية من العشرينيات ليتعلم في الغرب وعاد يروج للقيم الغربية أدرك الخديعة مبكرا, وتوصل إلي أن هذا الزيف لا يخدم سوي مصالح الغرب, وأن النهضة الشرقية لا تتحقق سوي بكيان موحد ينطلق مشروعه الفكري والحضاري من الجذور الوطنية, وأصول التراث الإسلامي والعربي والروح الشرقية مع اقتباس وسائل النهضة التقنية الحديثة من الغرب, بما مثل استفاقة أحبطت الغرب وأفزعته وحاول ضربها بتمويل ودعم مشاريع الجمود الديني والسلفي التي كان سعيد رمضان لاحقا أحد أهم ناشطيها وأدواتها.
محمد حسين هيكل زعيم الدستوريين الأحرار بدأ متحمسا للتغريب الشامل ثم انتهي في منتصف الثلاثينيات بمشروع حضاري تكاملي يوفق بين الروح الشرقية ومؤثرات العروبة والإسلام الحضاري وعوامل النهضة الغربية, كما نلحظ ذلك في التحولات التي طرأت علي مجلته السياسة الأسبوعية وعلي إنتاجه الفكري حياة محمد و في منزل الوحي, وكذلك طه حسين وصولا إلي علي هامش السيرة, ثم عبقريات العقاد وجهود أحمد أمين التي تلخصها باحترافية مقالته الخالدة بالعدد الأول من الرسالة, ويغذي توفيق الحكيم أعماله الأدبية المتأخرة بأساسيات هذا المشروع الفكري كما في مسرحيته عن الرسول وكما فعل في يوميات نائب في الأرياف عندما شكك في ملاءمة التشريعات الفرنسية لمجتمع الصعيد وأرياف مصر, وهذه جميعها مراجعات وطنية ــ بالإضافة لجهود عبد الوهاب عزام وأحمد حسن الزيات.. إلخ ــ تكشف الأهداف الحقيقية للغرب, وتبحث عن الذات وترسم مسار التقدم وملامح مشروع النهضة العربي الحقيقي المخلوق من ذات الأمة, لا المصنع والمفروض من خارجها.
تحرك الغرب مع النجاح المحدود الذي أشعل الأمل عندما نجح المصريون في تدشين تجربة سياسية تعددية ينقصها الاستقلال في الثلاثينيات والأربعينيات, وازداد ضراوة عندما ظفروا برئيس مصري بعد ألفي عام وبواكير صناعة وطنية وإصلاح زراعي ومشروع تعليم مجاني بعد ثورة يوليو1952 بما يهدد بمشروع نهضة عربي حقيقي مستقل عن الغرب ويرتكن لمراجعات وأدبيات النخبة الفكرية العربية, لذلك لجأوا لضرب هذه المشاريع التوفيقية التكاملية بكيانات أحادية تزعم زورا مواجهة العلمانية والتغريب, في وقت نجح رموز التيار المتهم بالعلمنة في بلورة مشروع وطني تحديثي مستقل.
رواية القاهرة الجديدة للأديب نجيب محفوظ التي صدرت في طبعتها الأولي بعنوان فضيحة في القاهرة, إدانة قاسية لمصادرة حاضر مصر لحساب عصابة غريبة لا تنظر للمصري إلا كأداة رخيصة لتحقيق متعها ومصالحها, وهو واقع يستحق تلك القسوة في الإدانة, فشروط الغرب كي يجد العرب مكانا ومعاشا في مجتمعاتهم أن يبيعوا لهم أنفسهم ومبادئهم وقيمهم بيعا كاملا.
يسأل طارق رمضان الإخوان دولة مدنية ذات مرجعية دينية, ماذا تعني لك؟ وأنا أجيبه: تعني فضيحة في القاهرة, فالفارق يكمن في استقلال الإرادة والمشروع الوطني المتكامل, أما أمريكا فرغبت في تابعين وأدوات لمشاريعها ليس أكثر, وهناك من أحجم في الماضي وفضح الفضيحة, وهناك من تقدم اليوم وزين للحشود الوهم.





اقرأ أيضاً :
=====

محمود عزت.. هزيمة القطب الثاني (بروفايل)  رفعت السعيد : أيمن نور يمكن تصنيفه "عميل"

البرادعى فى محاضرة بأمريكا : الاخوان يتمتعون بشعبية وليسو فاسدين

المغير "رجل خيرت الشاطر" يصف قيادات الإخوان بـ"عملاء الأمريكان" 

تعليقات

المشاركات الشائعة