يا سلام .. ضفادع مقلية وشوربة !!


المصدر المصري اليوم -  عباس الطرابيلي


فاجأت زوجتى، وكانت معى فى رحلة أوروبية فى أوائل الثمانينيات، بوجبة لم تكن على بالها، وهى وجبة يرفضها الذوق المصرى تماماً.. هى الضفادع ومنتجاتها.. كنا فى الشانزليزيه، أشهر شوارع العالم، وهى الأشهر فى باريس، قالت: أريد أن أتناول الغداء.. ولمحت مطعماً قريباً من ناحية الشانزليزيه مع شارع جورج الخامس، حيث أشهر فنادق باريس.. وشدتنى إليه نسبة الزحام حوله.. المهم نجحت فى الحصول على طاولة على الرصيف – وما أحلى أرصفة عاصمة النور – وطلبت «طبق اليوم»، والمطعم مشهور بتقديمه يومى السبت والأحد، أكثر من باقى الأيام، وخيَّرتنى الجرسونة بين أحجام الوجبة، وكانت تقدم فى طواجن، واخترت الأكبر حجماً رغم وجود حجمين أصغر.. وكانت الوجبة عبارة عن «بلح البحر» الأسود من الخارج، أى «الماسيلز».
والبداية كانت مع حبة طماطم عملاقة، مقسمة نصفين، تم تفريغهما من العصير والألياف.. وتعبئتهما بنوع من الجمبرى صغير الحجم «أى فى حجم الدود»، ثم عليه طبقة من «الصوص» الإيطالية اللذيذة مع قليل من المايونيز.. ويا سلام مع خبز «الباجيت» الفرنسى الشهير المقرمش.. وكان ذلك هو طبق المقبلات الأساسى.. وما إن فرغنا – نحن وكل المصريين من عشاق الجمبرى – حتى وضعت الجرسونة 12 طبقاً فارغاً من الحجم الكبير على يسار كل منا، ولحظات وجاء طاجن بلح البحر تسبح فيه هذه «الماسيلز» فى شوربة شديدة البياض ومعها تسبح عيدان من الكرفس الفرنسى الشهير.. وبدأنا الأكل..
وكلما امتلأ أحد الأطباق الفارغة بقواقع بلح البحر.. رفعته الجرسونة.. ومع آخر «بلحة» كان آخر طبق وهو الثانى عشر لكل منا قد امتلأ بالقواقع.. كل ذلك وقد ملأ العرق الجسد كله.. وزادت حمرة الوجوه رغم أننا كنا فى عز الشتاء، فى شهر ديسمبر!! وهنا طلبت منى زوجتى أن نأتى إلى هذا المطعم طالما نحن فى باريس.. وهنا فاجأتها قائلاً: على فكرة هذه القواقع مطبوخة تماماً فى «شوربة الضفادع» مع الكرفس!! ورغم صدمة زوجتى وأنها لم تفعل كما فعل ماجد الكدوانى فى الإعلان الشهير مع أحمد عز.. إلا أنها تلذذت بما أكلت.. رغم أن هذه الوجبة – فى هذا المطعم بالذات – من أغلى الوجبات.. وصارت نكتة.
وبعد 5 سنوات، كانت تصحبنى زوجتى فى رحلة إلى الشرق الأقصى لزيارة ابننا الأكبر خالد، الذى كان يدرس للحصول على الدكتوراه فى مدينة بيرث بغرب أستراليا.. وتوقفت معها فى سنغافورة.. وفى مطعم بفندق «شانجرى لا» وهو من أفخم الفنادق، دخلنا نتناول العشاء.. وأمام ركن السلطات وجدنا نوعاً غريباً: هل هو أوراك طائر السمان، أم دجاج صغير؟.. ولم يكن مكتوباً عليه ما يدل على نوعه.. ولما تذوقته زوجتى أعجبها وحملت منه ما استطاعت.. ثم أكملنا العشاء.. وفى اليوم الثانى بعد أن عدنا من جولة سياحية فى جزيرة سنتوزا الرائعة طلبت أن نذهب إلى نفس المطعم.. وأمام طاولة السلطات «إياها» كانت المفاجأة.. وقبل أن تمتد يد زوجتى إلى نفس السرفيس إياه.. وجدت مكتوباً عليه «أوراك ضفادع»!! وشهقت زوجتى.. وبعد تردد لبرهة صغيرة.. هتفت «ضفادع.. ضفادع» أصله حلو قوى.. وهنا قلت لها لقد أكلت بلح البحر فى شوربة الضفادع فى باريس.. وهنا أكلت الضفادع نفسها!!
وصارت حكاية ترويها لسنوات عديدة، وهنا قلت لها إن المهندس سيد مرعى، وهو سياسى مشهور، وكان رئيساً لمجلس الشعب أيام السادات، كان أكبر مربى، ومصدر، للضفادع إلى فرنسا.
وفى الكويت أكلت الجراد الصحراوى مسلوقاً فى ماء مملح ومبهّر.. ومشوياً مع التوابل الحراقة، ومقلياً فى الزيت.. وكان ذلك قبل اجتياح قوات صدام حسين للكويت بعام، وكنت أحمل رسالة من فؤاد باشا سراج الدين، رئيس الوفد، إلى الشيخ سعد العبد الله الصباح وكان ولياً للعهد ورئيساً للوزراء.. وفاجأنى: ماذا تريد اليوم على الغداء؟.. قلت: أريد طعاماً كويتياً خالصاً.. رد سُـموه: حظك كويس.. عندى اليوم مفاجأة.
** وكانت هى الجراد الصحراوى – وكان هذا موسم هجومه على المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، والكويت جزء من المنطقة.. وأخذوا يقدمون لنا أكواماً من هذا الجراد: كوم جراد مسلوق.. وكوم مشوى.. وثالث مقلى، وكان الأشقاء الكوايتة ضيوف نفس الحفل يتناولون كل ذلك بشراهة تلفت الانتباه.. ولما تعجبت – وسُـمو ولى العهد يتلذذ بما يأكل – رد علىَّ الشيخ سعد رحمه الله: ألا تعشقون الجمبرى يا مصريين.. الجمبرى هو جراد البحر.. ونحن هنا نعشق جراد البر.
** وبالمناسبة كان الجراد يباع بأضعاف ثمن اللحم الضأن.. وأكثر من ثمن سمك الزبيدى والصافى – وهما أفضل الأنواع التى يعشقها أهل الكويت.
ولكننى – فى يوم آخر – طلبت أفضل أكلة هناك هى: ولد الولد.. أى صغار سمك القرش الوليدة.. وهى فياجرا أهل الخليج، حتى قبل اختراع الألمان للفياجرا.. وإذا أردتم المزيد.. تعالوا بكرة!!

تعليقات

المشاركات الشائعة