كامل الشناوي "مسيرة عذاب" و"قُبلة حياة" للقصيدة

المصدر بوابة الاهرام

خمسون عامًا على رحيله

خمسون عامًا على رحيله.. ما إن يذكر اسم الشاعر كامل الشناوي، الذي تحل الذكرى الخمسون لرحيله اليوم 30 من نوفمبر، حتى تذكر قصيدته الخالدة "لا تكذبي"، التي غناها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وكذلك غنتها الفنانة نجاة والفنان عبد الحليم حافظ، رغم ما في ذلك من إهدار لقيمة كبيرة كقيمة الشناوي، الذي يرى مؤرخو الفن المصري، والعربي، أن له يدًا لا تنكر على الفن العربي، بل والأدب.
المتابع للغناء المصري يستطيع أن يلحظ أنه حتى عشرينيات القرن الماضي كان الغناء يعاني حالة من التردي تمثلت في كلمات مسفة وتافهة من نوعية "ارخي الستارة اللي في ريحنا"، التي غنتها منيرة المهدية، وغيرها من "الطقاطيق" التي لم تستهدف الطرب، بقدر ما استهدفت الغناء بطريقة "مثيرة".
كان ذلك حال الغناء المصري حتى ظهرت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، التي استطاعت أن تقدم للجمهور لونا جديدا من الغناء، يخاطب الروح، ويحرك المشاعر بدلا من الغرائز، واستطاعت أن تعيد إحياء القصائد التي كانت حبيسة صدور المثقفين، بعيدة كل البعد عن العامة، وكان ذلك بفضل الشاعر الكبير أحمد رامي.
استطاعت أم كلثوم، بفضل رامي، أن تجعل القصيدة على لسان العامة، حتى الأميين منهم، وأن تقدم مجموعة من القصائد الصعبة، في قالب غنائي تطرب له الآذان، وتلهج به الألسنة، حتى إنها استطاعت أن تغني لابن زيدون، رغم هذا الفرق الزمني الكبير.
ومع تطور الغناء المصري، وظهور العديد من الأصوات الجديدة التي أوجدت أرضية واسعة للمنافسة، وظهور لون شعبي ظهر على السطح من الجديد، كانت القصيدة أمام تحد جديد للبقاء، يتمثل في ضرورة تبسيط القصيدة، والبعد عن أي تعقيد، كي تظل القصيدة قريبة من الجمهور.
وهنا ظهر الشناوي، الذي استطاع ببراعة أن يجمع بين بساطة ألفاظ القصيدة، وبين قوة صورها، مقدما عددا من التحف الفنية التي ما زال الجمهور يحفظها عن ظهر قلب حتى اليوم، والتي ما زالت تجتذب الأجيال الجديدة نفسها.
ومما ساهم في نجاح الشناوي شخصيته التي انعكست على كتاباته، حيث عاش الشناوي حياة حزينة، بدأت بطفولة منطوية، نظرا لضخامة حجمه، الأمر الذي كان يدفع الأطفال لأن "يزفوه"، في الشارع ساخرين من حجمه.
وكذلك جاءت علاقاته العاطفية الفاشلة عاملا مساعدا في هذا الطابع الحزين، الأمر الذي جعله ينتج بكائيات تنضح حزنا، وتقطر ألما، ولا عجب أن يقربه ذلك من الوجدان الشعبي، الذي يعشق، أكثر ما يعشق، الحزن والبكاء.
عدة قصائد كتبها الشناوي كتب لها الخلود مع الأصوات التي تغنت بها، من بينها قصيدة "حبيبها" التي غناها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ من ألحان الملحن الراحل محمد الموجي، وكذلك يوم مولدي التي غناها ولحنها الفنان فريد الأطرش، كما غنى له الفنان الكويتي عبد العزيز السيب قصيدة "لست أشكو".
ولم يغب الشناوي عن القصائد الوطنية التي كان من أشهرها "أنا الشعب" التي غنتها أم كلثوم من ألحان عبد الوهاب ولكن تحت عنوان "على باب مصر"، والتي غنتها عام 1964، وكانت موجهة بشكل واضح للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وفي العامية ما زال صوت "الست" يصدح بأغنيته الخالدة "حياتي عذاب"، التي عرفت باسم بعيد عنك، والتي ألحانها بليغ حمدي، عام 1965.
في حين تبقى أغنيته الأشهر، التي التصقت باسمه، حتى صارت ملازمة لها، "لا تكذبي"، التي نسجت حولها آلاف القصص، حول بطلتها، والتي نحتفظ بروايات عديدة عنها، من بينها رواية الراحل أنيس منصور، والكاتب الصحفي مصطفى أمين الذي كان صديقا مقربا للشناوي، ومن عجب أن كثيرين ممن رووا قصة هذه القصيدة أكدوا أنه كتبها في حضورهم، كمصطفى أمين، والراقصة الراحلة تحية كاريوكا!.
هذه الروايات التي لا تتوقف عن التدفق دفعت الناقد طارق الشناوي لكتابة مقال حول هذه القصة، في ذكرى رحيل الشاعر الكبير، يتناول فيه هذه الروايات، ويتعجب من اتفاقهم في هذا الأمر.
لكن سواء أصحت هذه الروايات أم لم تصح، فإن ما هو مؤكد لدينا أن الشناوي عاش حياة فريدة من "العذاب"، تجلت في أشعار غاية في العذوبة، تشع صدقا، وتمتلك قدرة فريدة على النفاذ إلى قلوب من يستمع إليها، محاولا، ولو عبثا، أن يشارك صاحبها بعض عذابه.


تعليقات

المشاركات الشائعة