الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ حرية الاعتقاد الإسلام والآخر..بين الفهم الخاطئ ودعاة الفتنة

تكمن عالمية الإسلام في الاعتراف بالآخر المختلف معه دينيا، وقامت رسالته على المساواة لا الإقصاء، والحرية، لا الاستبداد، ونادت باحترام حق الاختلاف والمجادلة بالتي هي أحسن.
وحذرت من استئصال الأخر المختلف معنويا أو ماديا، وكفلت الشريعة الإسلامية حرية الاعتقاد مصداقا لقوله تعالى:« لا إكراه في الدين »، وسوت بين الناس في المواطنة والحقوق والواجبات على اختلاف معتقداتهم دون تمييز، وقبول التنوع واعتباره سر الكون، فأقرت الشريعة الإسلامية حقوق الإنسان دون التفرقة بسبب الدين أو الجنس أو النوع أو اللون. تلك الحقائق الثابتة زيفها الدخلاء على ساحة الدعوة وتجار الدين، فنزعوا النصوص الثابتة في القرآن والسنة من سياقها وجعلوا منها أداة للقتل والترويع وإقصاء الآخر.

وحول حقوق الآخر في الإسلام يقول الدكتور بكر زكي عوض، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن كلمة الآخر تدل على غير المنتمين للإسلام، وقد آن الأوان أن نعيد فهم المسميات، والسبيل إلى ذلك فقه المفاهيم بتغير الزمان والأحوال، وذلك من خلال استخدام الصيغ بطبيعتها، وقد أقر الإسلام الاختلاف والتنوع وكرم الإنسان بصيغة العموم، وجعل العيش على الأرض لكافة البشر بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم، فنظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، ونادى بالسلام العالمي والتبادل المعرفي.
ونبهت الدكتورة مهجة غالب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة إلى أن الإسلام وضع أسس العلاقة مع غير المسلمين والتي تقوم على مكارم الأخلاق والتسامح والمحبة والسلام، وكرم الإسلام الإنسان بغض النظر عن لونه بل لكونه بشرًا، والتنوع يعني: التعددية الدينية والثقافية والحضارية؛ فالاختلاف لا يعني التنافر أو إقصاء الآخر، بل ضرورة التعاون والتفاعل مع الغير، وهذا ما رسخه النبي، صلى الله عليه وسلم، في دستور المدينة، فاعتبر النبي، صلى الله عليه وسلم، اليهود أمة مع أمة الإسلام، لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
الإسلام والحرية الدينية
ويقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة، إن الإسلام أقر حقوق الإنسان بصورة واضحة ولا اختلاف عليها، وقد أقر الإسلام الحرية الدينية، وذلك في قول الله تعالي « لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »، كما أقر الإسلام الكرامة الإنسانية، وذلك في قول الله تعالي« وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ»، وهذا التكريم للإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم، وهذه الكرامة الإنسانية تعني عصمة الدم الإنساني إلا بالحق، ويترتب علي قضية التكريم قضية العدالة بمفهومها الشامل، لأن الإنسان بفطرته إذا عاش في مجتمع تسوده العدالة، فإنه يسعي بكل جهد لرفعة هذا المجتمع، ومن صور حقوق الإنسان في الإسلام احترام الإرادة، طالما أنها لا تتعارض مع حرية الآخرين، لأن الحرية المطلقة لا قيمة لها، فحرية الإنسان تنتهي عند حقوق غيره من المواطنين، كما أن الإسلام جعل حب الأوطان من العقيدة، وهذا يعني ضرورة التواصل والتكاتف والتعاون مع أبناء المجتمع، لأن الإسلام يهتم بأن يعيش الإنسان في وطنه وينهض به، ولا يكون هناك تفرقة بحسب المناصب أو المال أو العلاقات.
الإعلان العالمي وثورات الشعوب
وأوضح الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر 1948، جاء ردا علي ثورات الشعوب ضد الظلم، والغرب أغفل إسهام الإسلام في حماية حقوق الإنسان، مؤكدا أن ما جاء في الشريعة الإسلامية بخصوص حقوق الإنسان، يعد أمرا غير مسبوق في هذا المجال، فالإسلام حدد ضوابط العلاقة بين المسلم والآخرين، وجعل هناك حقوقا وواجبات، والإسلام أقر هذه الحقوق للمسلم وغير المسلم، ودون تفريق بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة، فالإسلام يهتم بكل إنسان مهما تباعدت أوطانه.
مقاصد الشريعة
وفي نفس السياق قال الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين جامعة أسيوط، إن الشريعة الإسلامية تأمر بالحفاظ علي ما يعرف بالكليات الخمس، ويدخل فيها المسلم وغير المسلم، فمن عظمة الإسلام في المحافظة علي الحقوق أنه حرم الدم وحرم المال والعرض، وقد جاء الإسلام بهذه التعاليم في وقت كانت البلاد الأخرى، يأكل فيها القوي الضعيف، وكانت شريعة الغاب هي السائدة في ذلك الوقت، فجاء النبي صلي الله عليه وسلم ليرسي قواعد العدل والرحمة والرفق، كما أن مبادئ الشريعة الإسلامية قائمة علي العطف والرحمة ورعاية الفقراء والمحتاجين وغيرها من المبادئ والمعاني العظيمة، التي تطالب المسلم ببر الوالدين ورعاية الأيتام وحسن تربية الأبناء، والتعامل بأخلاق الإسلام مع الجيران، وعدم إيذاء الناس، وهناك عشرات الأحاديث النبوية الشريف التي توضح علاقة المسلم بالآخرين، بل وتطالب المسلم بأن يعطي كل ذي حق حقه.
حقوق غير المسلمين
وأضاف أن الإسلام أعطي غير المسلمين حقوقهم كاملة، ولم يجبرهم علي دخول الإسلام، قال تعالي« لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »، ولكن الإسلام في نفس الوقت بين عاقبة الكافرين يوم القيامة، فقال تعالي«إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا»، وعلي هذا فالمسلمون في جميع البلاد التي فتحوها لم يجبروا الناس علي دخول الإسلام،
بل إن القرآن الكريم أمرهم بالمحافظة علي بيوت العبادة الخاصة بغير المسلمين، ومن الآيات التي تدل علي عظمة الإسلام في ذلك، قوله تعالي«وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»، كما أمر الإسلام بالمحافظة علي ممتلكات غير المسلمين، فلا يجوز لمسلم أن يعتدي علي أموالهم، بل إن العكس هو الصحيح حيث قال الله تعالي « لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وكثير من الناس يفهمون كلمة«تقسطوا » بمعني تعدلوا، ولكن الفهم الصحيح أن معني تقسطوا،
أي تعطوهم شيئا من أموالكم إذا كانوا محتاجين للمال، وهذا دليل علي عظمة الإسلام، لدرجة أن بعض علماء الغرب قالوا: ما رأينا فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب، ولم يثبت في التاريخ أنهم أجبروا قوما علي ترك دينهم ليدخلوا في الإسلام.


المصدر الأهرام


تعليقات

المشاركات الشائعة