حتى لاينسى العرب2 آثـار اليمـن فى مهب العاصفة

لا تتشابه اليمن مع سوريا والعراق من زاوية تطور الأحداث السياسية والصراع الطائفى وتكالب القوى الدولية والجماعات المتشددة عليها فقط ، وإنما كذلك فى تراث هائل من الحضارات الممتدة لآلاف السنين وكم كبير من الآثار التى يُخشى عليها من مصير ما جرى فى العراق وسوريا.
المخاوف سيطرت على المنظمات الدولية المتخصصة التى تخشى من تطور المعارك والمواجهات بصورة تؤثر سلبا على هوية اليمن وإسهامها الثرى فى الحضارة الإنسانية
وفى هذا الصدد حثت منظمة اليونسكو جميع الأطراف المعنية بالنزاع فى اليمن على تجنب استهداف التراث الثقافى لهذا البلد . ودعت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا سكان اليمن، وكذلك دول المنطقة المعنية بالعمليات العسكرية ، إلى بذل ما فى وُسْعِهم لحماية التراث الثقافى لليمن، الذى لا يقدر بثمن ، معتبرة أن تجنب أطراف النزاع استهداف مواقع التراث الثقافى ومعالمه أمر أساسى، سواء بالمدفعية أو الضربات الجوية أو استخدامها لأغراض عسكرية.
ويحوى اليمن كنوزا معمارية, ويتضمن ثلاثة مواقع أدرجتها اليونسكو على لائحة التراث العالمي, هى المدينة القديمة فى صنعاء ، ومدينة شبام فى الشرق، الملقبة «مانهاتن الصحراء»، ومدينة زبيد فى الغرب .
تعتبر صنعاء من أجمل مدن العالم عمارة وأكثرها محافظة على التراث بخصائصها المميزة والفريدة. وتتضارب الروايات حول تاريخها، فالأساطير والشعراء والأدباء وصفوها بأنها أول مدينة بنيت بعد الطوفان المشهور ، وأن سام بن نوح اختارها أرضاً وموطناً له , وأنه بنى فيها أشهر قصر فى تاريخها وهو قصر غمدان , ويرى بعض المؤرخين ومنهم أبو محمد الحسن بن أحمد الهمدانى ونشوان بن سعيد المعمرى وابن الكلبى أن الذى بنى صنعاء هو آزال بن يقطن بن العبير بن شالح حفيد سام ، واسم آزال معروف حتى الآن وورد ذكره فى التوراة , لكن الأدلة الأثرية والنقشية تقدم أخباراً أكيدة عن صنعاء منذ القرن الأول الميلادى وبعض المؤرخين يمنحونها عمراً مقداره ثلاثة آلاف عام, ويستندون الى حجج كثيرة منها أن ما حولها من مناطق أقل أهمية منها, مثل الروضة وشعوب والجراف, جاء ذكرها فى نقوش تعود الى فترات سابقة .
ويعد سور صنعاء واحداً من معالمها الجميلة, وهو عبارة عن بنيان من الطين اللين الأصم لكنه يمتلك مقومات الجمال والمتانة ومقاومة عوامل الزمن . ويقال أن الملك »شعرم أوتر » ضرب على صنعاء حائطاً وجعل لها تسعة أبواب وأن أعلى السور كانت تمشى فيه ثمانية خيول مجتمعة وفقا لما اورده ابو الحسن الهمدانى فى كتابه الاكليل.
وفى صنعاء القديمة ترتفع مئذنة الجامع الكبير, وهو من أعظم الآثار الإسلامية فى اليمن . وقام بتأسيسه الصحابى معاذ بن جبل الأنصارى فى العام السادس للهجرة, فى حديقة قصر غمدان المشهور , وقد تعاقبت على الجامع سلسلة من الإصلاحات والتوسعات بأمر الوليد بن عبد الملك .
ولاتزال صنعاء القديمة حية وآهلة بسكانها الذين يربو عددهم على 55 ألف نسمة, ويؤم 28 سوقا بها مئات السياح الأجانب للتمتع برونقها ونفحتها التراثية المتميزة . وإزاء هذا التراث المتنوع فى صنعاء القديمة دشنت حملة وطنية ودولية فى ديسمبر 1984,لحمايتها.
زبيد
تجمع المصادر التاريخية ومنها المركز الوطنى للمعلومات بصنعاء أن زبيد لبت الدعوة الإسلامية آخر العام السابع وبداية العام الثامن الهجرى بقيادة الصحابى أبى موسى الأشعرى ومن معه، وسميت هذه المدينة باسم قبيلة زبيد القاطنة فى سهل تهامة، والمدينة لا تبعد عن البحر الأحمر سوى 30 كم كما أنها تقع جنوب مدينة الحديدة بحوالي100 كم . اختطها محمد بن عبد الله بن زياد فى سنة (204هـ/805م) وأتخذها عاصمة له، والمدينة مدورة, بسور مبنى من الآجر تدعمه مجموعة من الأبراج وفتحت فيه عدد من الأبواب، وكان مسجدها بسيطا عند تأسيسه حتى جدده الحسين بن سلامة(393هـ / 994م) ثم أعاد عمارته المبارك بن منقذ فى سنة (574هـ/1175م) ، واهتم به بنو رسول ومن بعدهم الملك الظافر عامر بن عبد الوهاب الذى جدده وسقفه وزينه بالزخارف والنقوش الكتابية . وقد تُوج حضورها التاريخى عام 1993، حيث أصدرت اليونسكو قرارا بضمها إلى قائمة التراث العالمى لتصنف لاحقا فى العام 1998 ضمن المدن التاريخية فى العالم لتميزها العمرانى.
شبام
عرفت شبام حضرموت فى شرق اليمن بأول ناطحات سحاب فى العالم, بنيت من الطين منذ مئات السنين . وتتميز هذه المدينة التاريخية بطرازها المعمارى الفريد ، فهناك المنازل الطينية المبنية من اللبن والتبن والمطلية بالجير (النورة) والتى تشكل نموذجا رائعا ومتميزا لفن العمارة الطينية بجمالياته. سميت المدينة بهذا الاسم نسبة الى ملكها شبام بن حضرموت بن سبأ الأصغر، ويقول الهمدانى أن المدينة بنيت فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد ، بينما تشير إحدى الروايات إلى أن المدينة تم بناؤها فى القرن الخامس قبل الميلاد ، وأصبحت معروفة فى القرن الثانى .
ويعود عمر المنازل الحالية, وعددها 500 منزل , إلى 800 سنة ،وقد شهدت هذه المنازل عمليات ترميم وصيانة فى فترات زمنية مختلفة ، ويوجد بالمدينة جامع شبام الكبير الذى يؤكد كثيرون أنه بنى فى القرن الثامن الميلادى ، 166هـ , فى عهد الخليفة العباسى هارون الرشيد, ومسجد الخوقة الذى كان مركزاً للأباضية .
وفى الشرق من حضرموت وعلى مسافة 90 كم من مدينة تريم ، تقع منطقة هود فى وادى الأحقاف بين اليمن وعُمان حيث يقع إحدى أشهر أسواق العرب منذ الجاهلية التى ترتبط مع زيارة آلاف من المسلمين من كل بقاع الدنيا إلى قبر النبى هود عليه السلام الواقع عند سفح الجبل المبنى عليه العديد من الخدود الصغيرة لاستراحة الزوار وعنده بئر تسمى التسلوم التى يقال إنها ملتقى أرواح الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين
ويؤكد ياقوت الحموى فى معجم البلدان ان حضرموت ناحية واسعة فى شرقى عدن بالقرب من البحر حولها رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وبها قبر هود.
مأرب
أما مأرب وسط اليمن فأخذت شهرتها من كونها أرض ملكة سبأ التى ورد ذكرها فى القرآن الكريم ، وتقع على مسافة172 كم شرق صنعاء ، وهى مدينة تعج بالآثار القديمة وتستحوذ على اهتمام العلماء والمؤرخين, وبين ظهرانيها تقبع مدينة براقش التى ضرب فيها المثل العربى «على نفسها جنت براقش», وهى تقع فوق تل مرتفع عن سطح الأرض أشبه ماتكون بقلعة مهيبة ومحاطة بسور يصل ارتفاعه الى ثمانية أمتار يعلوه 57 برجاً وبوابتان .
وبين آثار مأرب القديمة سد مأرب العظيم الذى يرجع بناؤه إلى القرن الثامن ق.م, وهو المعنى فى القرآن الكريم بسيل العرم, وكان ارتفاعه 35 متراً وامتداد جسمه 720 متراً,وبنيت أساساته من كتل الأحجار الضخمة , ولايزال جزء من جسم السد قائماً بالقرب من المصرف الشمالى منه . وفى مأرب يسترخى عرش بلقيس الذى ورد ذكره فى النقوش المسندية باسم » معبد بران », وهو بيت الإلهة المقه ( القمر ) . وعلى بعد أربعة كيلومترات يقوم معبد «أوام » أو معبد الشمس ويعتبر أكبر المعابد السبئية.
كل هذه الثروة الباذخة معرضة للخطر, ونرجو ألا يكون مصيرها مصير آثار سومر وبابل وآشور.

المصدر الأهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة