رصاصات الإرهاب اغتالته يوم عيد ميلاد طفلته «ملك»..المقدم محمد سويلم.. تمنى الشهادة قبل رحيله بيومين



المقدم محمد سويلم ـ هو فارس بدرجة شهيد لم يهب رصاصات الأيادي الرثة وببسالة الأبطال وشجاعة الفرسان تقدم زملاءه ليكون لهم القدوة والمثل في الولاء والتضحية ولم يبال بالطلقات الغادرة وتصدي لجماعة الإرهاب ورغم أنهم أمطروه بالرصاص إلا أنه أصر علي الدفاع والمقاومة حتي صعدت روحه إلي بارئها بعد أن ارتوت الأرض بغيث دمائه الطاهرة.


محمد سويلم الشهيد رئيس مباحث قسم الجناين بالسويس كان دائما فوق القمة في عمله.. كل همه وشغله الشاغل حماية أرض الكنانة التي يرتوي من نيلها ويعيش تحت سمائها وأن يتصدي للارهاب حتي لو كان الثمن روحه الغالية.. كان نجما ساطعا لامعا بين زملائه اشتهر فيهم بدماثة الخلق والطيبة والكرم كان يحترم الكبير ويأخذ بيد الصغير وعُرف بين أفراد الشرطة والمجندين بالتواضع فلم يفرق في معاملاته الانسانية بين لواء ومجند وكأنه كان يرتب للرحيل.
سويلم لم يثنه عمله عن أداء فرائض الله فقد أدي العام الماضي فريضة الحج وكان يعد طوال شهر رمضان موائد الرحمن للفقراء فقد كان يعلم أنه ابن موت وأن ملك الموت يحوم حوله لذلك لم يغضب ربه وراح يعد العدة للقائه حتي نال درجة الشهادة وتزينت السماء باللآلئ يوم استشهاده وكان يوم عرس عند الملائكة وهي تستقبل عريس السماء الذي دفع روحه فداء لمصر وأصر علي الموت حتي تحيا أرض الكنانة.

الشهيد محمد سويلم تمني الشهادة قبل وفاته بيومين فقد كان يجلس بين زملائه داخل قسم شرطة الجناين وراح يتحدث لهم عن جماعة الارهاب وأفعالها الرثة وآماله أن تطهر مصر منهم وبين طيات كلامه أكد لزملائه أنه يتمني الشهادة وأنه سيخرج بنفسه لمواجهة الارهاب في أي عملية تتعرض لها محافظة السويس وسوف يتقدم أي مأمورية لعله يموت شهيدا وعندما ذكره أحد زملائه بطفلتيه «ملك وزينة» اللتين تحبوان أولي خطوات حياتهما نحو الحياة رد قائلا «لهم الله ويكفيهما أنهما بنات الشهيد محمد سويلم» وأنهما سوف تفتخران به أبد الدهر وكأن السماء استجابت لأمنيته ورحل سويلم بعدها بيومين وترك طفلتيه تحملان لقب يتيمتين وهما في عمر البراءة.
زوجته الصديقة العزيزة ريهام فوزي الصحفية الشابة مازالت حتي الآن لا تصدق ما حدث وتنتظر عودته رغم أنها شاهدت بنفسها جسده الطاهر وهو يتواري خلف الثري وكلما رن هاتفها المحمول أو دق جرس الباب أسرعت في لهفة الزوجة المشتاقة للقاء شريك العمر والسند والحماية والأمان وقالت «أكيد ده محمد» وتنظر للنسوة اللاتي يتشحن بالسواد من حولها قائلة أنا مش قلت لكم إن محمد مماتش وراجع علشان «ملك وزينة».
لم تتمالك الزميلة الغالية نفسها وهي تزرف الدموع علي فراق حبيب العمر وانفرطت عقود فرحتها في بحر من الشجن والألم طوال العمر لتتجرع أشواك الوحدة وحيدة في البقعة التي شهدت أجمل لحظات العمر ويخلو البيت الكبير بمدينة 6 أكتوبر من أصوات ضحكات ومداعبات الضابط الشهيد محمد سويلم.
راحت الزوجة الشابة تقلب في أوراق الذكري بعد أن شاخت أحلامها برحيل شريك العمر وانطفأ عنها بريق الحياة وقالت محمد كان الضحكة الشفافة والقلب الطيب الذي لم تلوثه الأيام فقد كان غرس وفرحة حصادي.. كان يحنو عليَّ مثل طفلتينا «ملك وزينة» ويقول أنا عندي «3 بنات».
كأنه كان يعلم أن عمر سنوات زواجنا سوف يكون قصيرا فلم يثر أو يغضب لحظة واحدة ولم يرفض أي طلب لي أو للبنات رغم أنه كان يقضي معظم أوقاته في عمله إلا أنه كان حريصا علي أصطحابنا للتنزه حتي ولو نصف ساعة في أواخر الليل.
وتضيف الزوجة المكلومة وهي تصرخ بأعلي صوتها محمد مات يوم عيد ميلاد ابنتنا«ملك»، فعندما بلغت الرابعة من عمرها توفي محمد وتتساءل هل في ذلك اليوم سوف أحتفل بذكري رحيل رفيق العمر أو بعيد ميلاد طفلتي؟!
وتقول كنا نرتب للسفر أنا وملك وزينة إلي مدينة السويس حتي يحتفل معنا محمد بيوم ميلاد فلذة كبده ومعشوقة قلبه «ملك» وأخبرني هاتفيا أنه جهز لعيد الميلاد في أحد الأماكن بالسويس وحجز تورتة «مالوكا» كما كان يسميها وكان يعد الثواني في انتظار سفرنا إليه وتنخرط الزوجة الحزينة وتقول أن حقائبنا داخل شنطة السيارة يا ليتني سافرت قبل الموعد الذي أتفقنا عليه حتي أري محمد قبل رحيله الذي قصم ظهري ليحاصرني الألم من كل جانب وأعيش في أكفان المرارة والحزن أبد الدهر بعد أن انهزمت الدنيا داخلي واغتال الإرهاب الأسود أحلامي وسرق مني زوجي لتبتلعني الوحشة والغربة وأحمل لقب أرملة وأنا في الثلاثين من عمري «ملك وزينة» الطفلتان اللتان حملتا لقب يتيمتين وحرمهما الإرهاب الغادر من كلمة «بابا» أبد الدهر لا تعلمان نبأ استشهاد والدهما فالحادث الأليم أكبر بكثير من سنوات عمرهما [زينة 6 سنوات ـ ملك 4 سنوات] منذ الحادث الأليم وهما تقيمان في فيلا خالة الزوجة المكلومة وكلما يتصلان هاتفيا «ببابا» الراحل الذي اعتادتا الاتصال به كل نصف ساعة للسؤال عنه ومداعبته وسرد كل تفاصيل حياتهما اليومية له عبر الهاتف للأسف «هاتف» بابا مغلق، وتسأل الطفلة الصغيرة شقيقتها التي تكبرها بعامين «بابا ما بيردش ليه يا زينة»أنا قلقانة عليه وليه مش بيكلمنا بابا وحشني قوي أنا أول ما شوفه هاترمي في حضنه وأقوله بلاش تسافر تاني أصلك بتوحشني ولم تجد زينة ردا لأسئلة ملك وتجيبها بابا عمره ما قعد يومين من غير ما يكلمنا ده كان كل شوية يتصل بينا ويطمن علينا يمكن يا ملك عنده شغل مهم لما نسافر له هانقوله أحنا زعلانين منك علشان مش بتكلمنا.
كلمات في حجم البراءة ولكنها في مرارة العلقم خرجت من حنجرة صغيرتين تفترشان أولي سنوات العمر بالحزن والشجن بعد أن سلبتهما الأيادي الرثة «الأب» الذي كان سوف يأخذ بيد كل واحدة منهما ويقبلها علي جبينها وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض ويسلمها لعريسها في ليلة العمر فقدت الصغيرتين الأب الذي كان يشعرهما بالأمن والحماية والذي كان يخشي عليهما من أنفاسه.
فقدت الصغيرتان من كان سندهما في الحياة لتكتب لهما الأقدار أن تعيشا وحيدتين دون أب أو أخ في كنف أم شابة أرملة تنعي رحيل زوجها.
والدة الشهيد الضابط محمد سويلم الذي لقي مصرعه برصاصات الارهاب أثناء دفاعه عن منزل عائلة وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم لم تفق من غيبوبتها حتي الآن منذ سمعت خبر استشهاد فلذة الكبد «محمد سويلم» الذي كان يقبل يديها وقدميها كلما وقع بصره عليها، أما شقيقته الصغري فقد أصرت علي مشاهدة جثمانه قبل أن يتواري خلف الثري وهرولت إلي مدينة السويس بعد علمها بالحادث لتلقي علي جثته التي اخترقتها رصاصات الارهاب نظرة الوداع الأخيرة لأن محمد كان بالنسبة لها الأخ والصديق والحبيب وأن الموت أختطف جزء من جسدها برحيل محمد وراحت الشقيقة تصرخ وتتمني الموت لنفسها لتلحق بالراحل الشهيد «محمد».
الحادث أليم يفوق طاقة أي نفس علي التحمل ففي لمح البصر اغتال الارهاب أحلام أسرة صغيرة وأطاح بأمانيهم ورحلت الفرحة عنهم ليسكن قلوبهم الحزن والشجن ولكن العزاء الوحيد أن الشهيد «محمد سويلم» في جنة الخلد يرقد بين الأبرار.



المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة