إبراهيم أصلان كاتب المحو والخفوت.. ومُطْلق "عصافير النيل" في فضاء القلوب

إبراهيم أصلان

في ذكرى ميلاده الثمانين.. 

كان يكتب كأنه يتعبد ويصلي، يكتب ثم يمحو، وفي مجمل كتاباته مثل "الجواهرجي". هو واحد من أبرز كتاب الرواية والقصة القصيرة. إنه الروائي إبراهيم أصلان (3 مارس 1935 - 7 يناير 2012)، الذي نحتفي اليوم بذكرى ميلاده الثمانين. 

تميّز الراحل الكبير بندرة كتاباته، حيث كان يطلق عليه بعض معجبيه لقب "الكاتب بالمحو"، أي أنه يكتب ثم يمحو، ثم يعيد كتابة عمله الأدبي أكثر من مرة، ليقدمه لقرائه مكتملاً، وقد كان في مجمل كتاباته الإبداعية مثل "جواهرجي" يمتلك عدسات يعرف بها التفاصيل الدقيقة، فيقوم بالتقاطها ويقدمها لقرائه بشكل دقيق ومدهش، تحتاج إلى عدسة ليتم اكتشاف جماليات أخرى تفوق جمالياتها. 

نشأ وتربى في القاهرة وتحديدًا في حي إمبابة والكيت كات على الرغم من أنه ولد في الغربية، في مثل هذا اليوم من عام 1935، وظل لهذين المكانين الحضور الأكبر والطاغى في كل أعمال الكاتب بداية من مجموعته القصصية الأولى "بحيرة المساء" مرورًا بعمله وروايته الأشهر "مالك الحزين"، حتى كتابه "حكايات فضل الله عثمان" وروايته "عصافير النيل"، وكان يقطن في الكيت كات حتى قبل رحيله بوقت قريب، ثم انتقل للوراق، فالمقطم. لم يحقق أصلان تعليمًا منتظمًا منذ الصغر، فقد التحق بالكتاب، ثم تنقل بين عدة مدارس حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها إلى الدراسة بمدرسة صناعية. 

التحق إبراهيم أصلان في بداية حياته بهيئة البريد وعمل لفترة كبوسطجى ثم في إحدى المكاتب المخصصة للبريد. 

ولقد عاش إبراهيم أصلان حياته موزّعًة بين الصمت والقول الخافت الحزين، والفقر والقمع والهزائم.. ولد في طنطا في محافظة الغربية، وبعد مدة قصيرة من ولادته، انتقلت أسرته للعيش في حي إمبابة الشهير في القاهرة، الذي ألهمه روايتيه الشهيرتين "مالك الحزين" و"عصافير النيل"، وبعد الدراسة التي لم تكتمل، وتنقله بين عدة مدارس، استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد، ثم تركها إلى مدرسة صناعيّة، والتحق بهيئة البريد المصرية، ليعمل فترة كـ"بوسطجي"، وكانت تجربة مهمة في حياته ألهمته مجموعته القصصية "وردية ليل". 

وحققت رواية "مالك الحزين" نجاحًا ملحوظًا على المستوى الجماهيرى والنخبوى ورفعت اسم أصلان عاليًا بين جمهور لم يكن معتادًا على اسم صاحب الرواية بسبب ندرة أعماله من جهة وهروبه من الظهور الإعلامي من جهة أخرى، حتى قرر المخرج المصري داود عبد السيد أن يحول الرواية إلى فيلم تحت عنوان "الكيت كات"، وبالفعل وافق أصلان على إجراء بعض التعديلات الطفيفة على الرواية أثناء نقلها إلى وسيط آخر وهو السينما، وبالفعل عرض الفيلم وحقق نجاحًا كبيرًا لكل من شاركوا فيه وأصبح الفيلم من أبرز علامات السينما المصرية في التسعينيات. 

في نهاية الستينيات أسهم الروائي الكبير نجيب محفوظ، والناقدة الكبيرة لطيفة الزيات في نقل إبراهيم أصلان من عمله كموظف بسيط في هيئة البريد المصري إلى العمل في وزارة الثقافة، للتفرغ للإنتاج الثقافي، وحظيت باكورة رواياته "مالك الحزين" باهتمام كبير من النقاد والمثقفين المصريين والعرب. 

وقد اختيرت واحدة من بين أهم مائة رواية عالمية، ومنها استوحى المخرج المصري المعروف "داوُد عبد السيد" سيناريو فيلمه الشهير «الكيت كات» الذي حقق نجاحات باهرة، واختير أيضًا من بين أهم مائة فيلم أنتجتها السينما المصرية خلال مسيرتها الطويلة، وقد ساعد هذا على شهرة إبراهيم أصلان وسعى الكُتاب والنقاد إلى التعرف عليه والكتابة عنه، وكان منهم الأديب الراحل يحيى حقي الذي لازمه حتى فترات حياته الأخيرة، وساعده على نشر الكثير من أعماله في مجلة "المجلة" التي كان رئيس تحريرها الأستاذ حقي في ذلك الوقت. 

وعمل أصلان منذ بداية التسعينيات رئيسًا للقسم الأدبي في جريدة الحياة اللندنية، وتولى منصب مدير سلسلة نشر في هيئة قصور الثقافة التي تهتم بنشر الإبداعات العربية، وكان نشره رواية "وليمة لأعشاب البحر" للروائي والقاص السوري المعروف "حيدر حيدر" سبب ضجة إعلامية كبيرة في سنة 2000م. 

واعتبرت الرواية من البعض تحديًا سافرًا للدين والأخلاق، وتم التحقيق مع إبراهيم أصلان، وتضامن معه الكثير من الكتّاب والأدباء والمفكرين، مما دفع أصلان إلى الاستقالة من منصبه، لأنه اعتُبر أحد أطراف أزمة ثقافية كبيرة دون أن يرغب في ذلك. 

وقد نجح كثيرًا في الكتابة عن أحلام الطبقة الوسطى، والفقراء، الذين يحلمون ويحزنون، وتتحول مطالبهم البسيطة، إلى أحلام وأهداف يخوضون من أجلها المعارك اليومية، على حد وصف الدكتور على القيم. 

وتقديرًا لروعة عطاء وإبداع إبراهيم أصلان، فقد حصل على عدد من الجوائز، نذكر منها: 
- جائزة عميد الأدب العربي طه حسين عن رواية "مالك الحزين" عام 1989م. 
- جائزة الدولة التقديرية في الآداب في جمهورية مصر العربية (2003-2004م). 
- جائزة كفافيس الدولية عام 2005م. 
- جائزة ساويرس في الرواية عن "حكايات فضل الله عثمان" عام 2006م. 
- اختيرت رواية "مالك الحزين" واحدة من أهم مائة رواية عربية.






المصدر بوابة الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة