أردوغان وغـــزة ..وبداية سقوط الأقنعة

ما أن أعلن عن توغل برى قيل إنه محدود للقوات الإسرائيلية فى قطاع غزة قبل أسبوعين، إلا وإنقلب التليفزيون التركى بغالبية شبكاته ــ التى باتت إجمالا ملك يمين حزب العدالة والتنمية الحاكم ــ رأسا على عقب..
 إذ تغيرت على الفور خريطة برامجه، وانتقلت شاشاته لبث مباشر من الأراضى المحتلة، حيث الحرب الغادرة وقصف المنازل على سكانيها المدنيين ومع التصعيد كانت التغطية الإخبارية، تكتسب زخما، بفضل العديد من المحللين والخبراء الذى تولوا تقييم أبعاد ما يحدث من عمليات إبادة للابرياء العزل من نساء وأطفال وشيوخ.
اللافت أن أزمات مماثلة فى السنوات القليلة الماضية ، كانت تثير ردود فعل غاضبة لدى قطاعات عريضة من الأتراك بعموم البلاد ، لكنها لم تلق ذات الاهتمام إعلاميا مقارنة بالحاصل الآن، الذى تزامن توقيته مع الحملة الانتخابية للاستحقاق الرئاسى والمقرر له اغسطس المقبل، ويخوضه رجب طيب اردوغان معتمدا على بسطاء الاناضول وهم الأكثر تنديدا بــ «العدوان الصهيونى على فلسطين المسلمة».
وفى ملمح ذى دلالة يفسر إلى حد كبير «شجب الحكومة المصطنع» تمثل فى تصادف رفض قادة الطائفة العلوية التركية دعوة رئيس الوزراء اردوغان لحضور إفطار جماعى الاثنين الماضى، كونها ليست لوجه الله وإنما هى محاولة للحصول على أصوات العلويين فى الانتخابات الرئاسية. 
فهل العزف على عواطف المواطنيين المتألمين من عمليات العقاب الجماعى للفلسطينيين من شأنه أن يعزز فرص الوصول إلى القصر الرئاسى المهيب بضاحية شنكاياى بالعاصمة أنقرة ؟
وها هو اردوغان وقد واصل صب جم لعناته على إسرائيل «القاتلة الارهابية»، قائلا إن الإسرائيليين صمموا قمصان رسم عليها صورة امرأة فلسطينية حامل، وقد كتب عليها أطلق النار عليها، للتخلص من روحين بطلقة واحدة «ثم» مؤكدا ان هؤلاء لم يحصلوا على نصيبهم من الإنسانية، إن هذه خسة وعدم شرف، اننى أكرههم وألعنهم ولم ينس أن ينتقد بشدة صمت الغرب إزاء هذه الوحشية، وكذلك الدول الإسلامية أيضا، فــ«أغلبيتهم صامتون بل يؤيدون هذه الجريمة النكراء».
ولأن المشهد البكائى يحمل مفارقة، فطبيعى أن يعرب الكاتب ذائع الصيت " فاتح الطايلى عن دهشته من هذا التمثيل قائلا: حكومتنا تتهم الغرب بعدم فرض عقوبات على إسرائيل، فماذا فرضت هى من عقوبات؟ وبعبارة ساخر قال أجيبكم أذن: لم تقدم شيئا قط. مدللا على ذلك بحجم التبادل التجارى بين تركيا وإسرائيل الذى بلغ مستويات قياسية لم تتحقق فى مسيرة الجمهورية ولكنها تحققت فى حقبته، مكتفيا فقط بقوله إنه لا تطبيع للعلاقات مع اسرائيل مع استمرار القصف الجوى لينتهى الطايلى إلى وصف المزايدة الاردوغانية بأنها «نفاق»

وتعضيد لـ «الطايلى»، شن حزب «سعادات» الاسلامى، هجوما عنيفا على رئيس الحكومة متهما إياه بدعم الصهانية وقال حسن بيتماز نائب رئيس الحزب، الذى أسسه رئيس الوزراء الأسبق الراحل نجم الدين اربكان، إن شهية إسرائيل ووحشيتها ارتفعت فى ظل حزب العدالة والتنمية الحاكم على مدى 12 عامًا من وجوده على رأس السلطة فى البلاد.
وفى رسالة وجهها لزعيمه، أزاح فيها الستار عن الدعم الذى تقدمه حكومته للدولة العبرية، بدءا ببناء قاعدة رادار «كوراجيك» الأمريكية فى مدينة مالاطيا، وهى التى توفر الحماية لأمن إسرائيل، والموافقة على مشاركتها فى أعمال حلف الناتو نهاية ديسمبر العام قبل الماضى، مرورا ببيع نفط إقليم كردستان عبر الاراضى التركية إليها وأخيرا التعاون العسكرى الذى وصل إلى أعلى معدلاته مقارنة بحكومات سابقة.
ولمزيد من صب الزيت على نار الرياء راح مفتى البلاد السابق احسان اوزكس يكيل الانتقادات لرأس السلطة التنفيذية كاشفا أنه يبكى هدم أماكن العبادة فى شهر رمضان الكريم لكنه لزم الصمت عندما دخل الجنود الأمريكيون جامع فى بلدة اينجرليك بمدبنة آضنة جنوب البلاد ليلة رأس السنة عام 2013، وكسروا نوافذه ومزقوا قرآنه الكريم، ولم يكلف نفسه باى تصريح يندد بهذا السلوك المشين، وقال أيضا إنه تجاهل اضرام النار المتعمد بأحد جوامع الجعفريين واحراق كتاب الله فى حى أسن يورت وسط اسطنبول قبل أسبوعين .كما تجنب التعليق على دخول الامريكيين بأحذيتهم احد الجوامع فى اثناء غزو العراق واتخاذه مقرا لهم، ثم ختم الداعية الدينى حديثه بالقول إن الطائرات المقاتلة الاسرائيلية قصفت جامع فى غزة بوقود استلمته من تركيا ولكن مع ذلك يخدع مواطنيه ويدين بخطابه اسرائيل هجومها الجوى ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة.
الغريب أن تلك المسألة المريبة تكررت على مدار ايام ضرب السلاح الجوى للقطاع الفلسطينى وعلى لسان اكثر من نافذ فى الحياة السياسية كان آخرها ما ساقه خلوق كوج مساعد رئيس الشعب الجمهورى المعارض والمتحدث باسم الحزب حينما عنف بشدة اردوغان لصمته حيال ما يتردد من بيع الوقود لاسرائيل التى تقصف طائراتها المقاتلة غزة وفى تصريحاته لصحيفة «جمهوريت» وجه كوج سؤالا له: اذا كنت شجاعا فعليك ان ترد على هذا السؤال هل بعتم الوقود لاسرائيل أم لا؟ واصفا اياه بخداع الشارع ومع كل هذه الاتهامات إلا أنه لم يخرج من اى مسئول نفى لهذه الإدعاءات.
وبعيدا عن أقنعة الحكومة التى تتساقط قناع تلو الآخر شهدت العديد من المدن التركية تظاهرات لا تعرف ازدواجية أهل القرار ، معبرة بصدق عن سخطها ضد الهجوم الاسرائيلى على قطاع غزة وأحرقت الاعلام الاسرائيلية باسطنبول وقونيا ودياربكر ومرسين وبورصة، ومعها تتواصل صلاة الغائب على ارواح شهداء غزة.



المصدر الاهرام



تعليقات

المشاركات الشائعة